أحياناً «وربما غالباً» يكون الفعل «الثورى» أسهل كثيراً مما سواه، والسبب واضح، فالرفض أسهل كثيراً من القبول، ذلك أن قبول النقاش أو التفاوض حول أمر ما، يعنى بالضرورة أن تفند مبررات خصمك/أو الطرف الآخر، وأن تقدم بالتالى مبررات تحمل منطق ما يدلل على ما تقول، ولأن كلاً من الأولى والثانية هو أمر صعب، يصبح «الفعل الثورى» حينها أيسر.. وأحلى مذاقاً.. و«أريح» للضمير!
أيام قليلة وتكمل ثورة 25 يناير عامها الأول، وربما يمتد بنا العمر لنشهد مرور سنوات كثيرة عليها، وسيكون حينها فعل «المحاسبة» على ما فات من جانب أبنائنا، سيمارسونه بقسوة، لن يكونوا وقتها فى حالة «الانفعال الثورى» السائدة حالياً، سيقيمون الفترة التى نحياها الآن وفقاً لما ستئول إليه الأمور حينها، ربما يشكروننا.. وربما يلعوننا: لا أحد يعلم، إلا أن المؤكد، أن رد فعل الأبناء هو نتاج مباشر لفعل الآباء «اللى هما إحنا يعنى»، وهذا يجبرنا بقوة على الوقوف أمام مرآة نرى فيها أنفسنا بوضوح: نخلع نظارات الفرحة بالثورة - التى هى فى حد ذاتها إعلان لرفض الظلم يمارسه هذا الجيل لأول مرة «ونرجو ألا تكون الأخيرة»، ونخلع معها زيف أورثنا إياه إعلام مزيف على تعدد أشكاله وألوانه، ونستمع لأرواحنا فهى الوحيدة القادرة على إطلاعنا على الحقيقة.
صحيح.. أنه وسط كل هذا الزخم الذى نعيشه يصبح من الصعب جداً، تمييز الأصل عن الصورة، والحقيقى من المزيف، ويكون الطريق إلى جهنم مفروشا بالنوايا الحسنة، لكن لا سبيل آخر أمام هذه «الثورة» سوى البحث فى أسباب انطلاقها من الأساس، لا الانسياق أمام معارك فرعية، تستنزف جهود الثوار ذوى «العضم الأخضر» لا يزالون!
البحث عن طريق وسط ضجيج المصالح، وجشع المتعطشين لسلطة لن تدوم لهم - لو يعرفون، الدخول إلى قلب المعركة دون «ظهير» حقيقى، الاعتقاد بأن الحياة رخيصة حين تكون فى سبيل الحرية للآخرين، الإيمان بأن الكل إلى زوال ومصر هى الباقية، كل هذا يمنح الثوار قوةً تكاد تكون أسطورية: لا خوف يثنيهم، ولا شىء قادرا على إرهابهم، لكن ألا يجب على الإنسان أن يتوقف قليلاً ليسأل نفسه: إلى أين؟ وكيف؟ ولماذا؟
25 يناير 2013 هو ما أتشوق إلى أن أحتفل فيه بالثورة، وكى يحدث هذا على الجميع أن يبقى العيون مفتوحة عن آخرها، فقبل الفجر لا بد من ليلٍ شديد الظلمة، ليل قد تضيع فيه علامات الطريق، ولا يسعنى سوى أن أتذكر كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم:
«إذا الشمس غرقت
فى بحر الغمام
ومدت على الدنيا موجة ظلام ومات البصر
فى العيون والبصاير
وغاب الطريق
فى الخطوط والدواير
يا ساير يا داير
يا أبو المفهومية
مفيش لك دليل
غير عيون الكلام»
لكن.. مين يسمع؟ ومين يفهم؟