بداية وقبل كل شىء وأى شىء، إن ضاقت عليك الدنيا بما رحبت وشعرت أنك تريد أن تتخلص من ضغط الناس حولك وإلحاح الأزمات العامة والخاصة وحالة الارتباك التى تنتابنا جميعا أو فرادى، فانزع نفسك من أمام التليفزيون أو الجريدة أو حتى العمل واذهب إلى السينما لتدخل غرفة مظلمة فيها شاشة مضيئة تحكى صورها عن ناس غير الذين تعرفهم، وحكايات غير التى تحياها، وأزمات غير التى تواجهها، ومع جمهور لا تعرفه، وبغض النظر، سواء أعجبك الفيلم أم لم يعجبك، فإن المؤكد أنك ستجد نفسك فى حال غير الحال التى كنت عليه.. نصيحة بسيطة قد تفيد فى مثل الحالة التى يعيشها المصريون الآن.
وبعيدا عن النصائح أو محاولة فرض أى وصاية حتى على نفسى قرأت فى الصحف أخبارا عن فيلم «واحد صحيح» قبل مشاهدته تقول إن الرقابة قد أعادت النظر فى بعض المشاهد بعد عرض الفيلم لوجود ألفاظ خارجة استاء منها الجمهور، بل وصل ببعض الصحف أن كتبت فى تقارير منشورة أن المنتج كريم السبكى ذكى لأنه قرر عرض الفيلم فى هذا التوقيت سريعا قبل أن يتولى الإسلاميون الحكم لأن الفيلم كان سيلقى مصيرا مجهولا بعد الانتخابات، أى والله هذا الكلام قرأته بأم عينى.. فذهبت إلى دار العرض لمشاهدة فيلم واحد صحيح لأعرف أى نوع من الأفلام هذا الذى استطاع منتجه أن يفلت به فى لحظات الحرية الأخيرة كما يصورها البعض.
فوجدت قصة صاغها تامر حبيب تحكى عن مهندس ديكور شاب ناجح فى حالة بحث عمن يكمله، يقع فى نفس المأزق الذى يقع فيه كل الرجال، وهو أن امرأة واحدة أحيانا لا تكفى، أو كما يقول المثل الشعبى إن «بنى آدم ما يملاش عينه غير التراب».. وهو موضوع صاغته السينما فى عشرات بل مئات الأفلام بتنويعات مختلفة، ولكن تامر حبيب صاغه فى قالب يجيده، حيث دارت أحداثه فى الشريحة العليا فى المجتمع المصرى، ورغم ذلك استطاع أن يتلمس بعضا من هموم عامة وإن لم تكن اقتصادية تخص الفقر أو الجهل، ولكنها تخص العقيدة حين نسج قصة الحب الحقيقية فى الفيلم بين الشاب المسلم والفتاة المسيحية التى تنتمى لأب مسيحى أسلم كى يتزوج من امرأة أخرى غير أمها.. قصة تحدث كثيرا، ولكنها صارت فى مصر الآن مثل جرح يثير الزوابع، ولكن تامر حلها بلا زوابع حين قرر أن يذهب ببطلته إلى الدير بدلا من المأذون.
فى فيلم «واحد صحيح» استطاع المخرج هادى الباجورى فى أول تجربة سينمائية له أن يتخطى كثيرا من المشاكل التى تواجه مخرجى الفيديو كليب فى تحولهم للسينما، فقد أجاد استخدام ممثليه، وعلى رأسهم هانى سلامة ونساؤه الأربعة بسمة وكندة علوش ورانيا يوسف والوجه الجديد الصبوح الموهوب ياسمين رئيس وعمرو يوسف، كما تعاون معه التصوير والديكور والموسيقى فى خلق حالة مناسبة للشخصيات والأحداث.
والمهم أنى حين بحثت عن الألفاظ الخارجة التى تحدثت عنها التقارير الصحفية والرقابة لم أجد إلا كلمة واحدة يستخدمها شبابنا وبعض شيوخنا ليل نهار هذه الأيام، وهى «فشخ»، وهى عادة كلمة يقصد بها تهويل لحالة ما، وقد لا أكون معجبة بجرسها ولكنى لا أستطيع أن أقول إنها كارثة أخلاقية أو لفظية تصل لحد إعادة مراقبة الفيلم.
فى «واحد صحيح» قد لا تجد نفسك ماديا أو شكليا، ولكنك بالتأكيد ستجد نفسك موضوعيا لأن الطبيعة تقول إن البنى آدم ما يملاش عينه غير التراب رغم أن فى الفيلم هانى سلامة ملأها ببسمة، ولكن تُرى هل ستكفيه ولو قليلا بعد ذلك وهو ما لم يقله الفيلم.