حتى قيام المحاسب عاصم عبدالمعطى وكيل الجهاز المركزى السابق بالإعلان عن حسابات بقيمة 9 مليارات دولار تخص الرئيس المخلوع مبارك ولا تصرف إلا بأمر منه فى البنك المركزى، كان البنك طوال الثلاثين عاما الماضية يمثل لغزا للمصريين وصندوقا أسود مغلقا على أسرار لا يحق لأحد الاطلاع عليها إلا المخلوع وأولاده ومحافظ البنك نفسه، وعمل البنك كدولة داخل الدولة بلا رقابة حقيقية عليه من أى جهة.
وعندما صدر قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى والنقد رقم 88 لسنة 2003 من الرئيس السابق قرر أن يكون البنك شخصا اعتباريا عاما، يتبع رئيس الجمهورية، ويصدر بنظامه الأساسى قرار من رئيس الجمهورية، وبالتالى فلا تراقب أنشطته وحساباته وأرصدته أية جهة.
فى العام ذاته عيّن مبارك الدكتور فاروق العقدة محافظاً للبنك المركزى خلفاً للدكتور محمود أبوالعيون الذى كان كان يشغل المنصب منذ أكتوبر 2001، وتردد أن هذا التعيين المفاجئ لفاروق العقدة كان وراءه جمال مبارك، واستمر العقدة فى منصبه طوال الحكومات السابقة حتى فى حكومات ما بعد ثورة يناير وتم التجديد له مؤخرا لأربع سنوات جديدة.
والقصص والروايات التى يحكيها العاملون بالبنك، والذين تعرضوا للتهميش، تؤكد تفاصيل ماحدث داخل البنك من تعيينات لصالح سيناريو التوريث الذى كان يحلم به جمال مبارك وسيطرة أصدقاء مبارك على كل شىء فى البنك، وكيف ساهم هذا السيناريو فى تولى قيادات بالبنك المركزى من خريجى الزراعة والهندسة والفنادق، إلى الدرجة التى تولى فيها مهندس كهربائى إدارة القطاع المالى.
قصة المليارات التسعة التى لم ينكرها المركزى فى بيانه تجعل البنك فى مرمى الشك والاتهامات فى كيفية إدارة الجهاز المصرفى المصرى والسياسة النقدية لمصر طوال فترة تولى العقدة منذ 9 سنوات وحتى الآن، وكيف تمت السيطرة على كل إدارات البنك وخضوعها لشخص واحد فقط دون تمكين العاملين به من الاطلاع على ما يدور داخله.
الأيام المقبلة بلا شك مليئة بعشرات الأسئلة وفتح التحقيقات حول مصير الحسابات والتبرعات المجهولة التى كتب عليها «لا تصرف إلا بأمر مبارك» سوف تكشف بالتأكيد كيف تمت إدارة «دولة البنك المركزى» فى سنوات حكم مبارك وأبنائه بلا رقيب ولا حسيب.
ربما توشك دولة المركزى ورموز النظام القديم داخله على وشك الانهيار إذا تم الكشف عن المستور.