انسحاب الدكتور محمد البرادعى، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من سباق الترشح للرئاسة هو حديث الساعة الآن، فالرجل أعلن انسحابه بطريقة دراماتيكية على غرار خطاب التنحى الشهير للزعيم الراحل جمال عبدالناصر بعد نكسة 5 يونيو 67، رغم الفارق فى الحالتين بالطبع، ولكن استدعاء التاريخ ضرورى للقياس فى بعض الأحيان، مع الأخذ فى الاعتبار بمعطيات الفترة الزمنية والفروق الشخصية.
تنحى عبدالناصر جاء من زعيم خاض تجارب عظيمة، بغض النظر عن درجة الاتفاق أو الاختلاف معها، ولكنه كان خطابا رجوليا نابعا من شعور مسؤول بأنه أحد الأسباب أو المسؤول الأول عن الهزيمة، تبعه رفض شعبى للرجوع عن القرار.
الدكتور البرادعى تنحى أو انسحب قبل أن يبدأ السباق إلى الرئاسة، وقبل أن تكون له تجربة سياسية يمكن الحكم عليها، فقد قرر «الانسحاب من خارج مواقع السلطة»، رغم عدم وجود سلطة حقيقية فى مصر حتى الآن، ولم يكن الدكتور البرادعى جزءا منها حتى ينسحب منها.
لا ننكر الدور التبشيرى للدكتور البرادعى فى الدعوة للتغيير والإصلاح من خلال الفيس بوك وتويتر واللقاءات الفضائية، واعتبره البعض مثل الفيلسوف الإغريقى القديم «ديوجين» الذى عاش فى برميل كبير فى شوارع أثينا، وجعل من الفقر فضيلة وكان يمشى فى النهار حاملا مصباحا كرمز للبحث عن الحقيقة والفضيلة والبحث عن الرجل الفاضل، حتى قيل عن أى شخص يفكر فى الإصلاح ويدعو إليه، إنه يحمل مصباح ديوجين.
لكن الدكتور البرادعى لم يكتف بمصباح الحكمة، وقرر أن يخوض غمار السياسة بألاعيبها ودروبها ومسالكها الوعرة، وأظن أنه كان لديه من الخبرة والمعرفة بلا إنسانية السياسة وواقعيتها المزعجة، التى تختلف كل الاختلاف عن رومانسيته الثورية، ولذلك قرر التنحى أو الانسحاب وعدم اللعب قبل أن تبدأ المباراة وينطلق السباق.
إعلان البرادعى انسحابه من الترشح للرئاسة جاء متأخرا جدا، والأسباب الظاهرية التى سردها فى حيثيات الانسحاب تبدو غير مقنعة تماما، فإذا كان السبب فى الانسحاب هو الاعتراض على إدارة العسكرى للمرحلة الانتقالية منذ البداية، وعدم إعداد دستور قبل إجراء الانتخابات، فلماذا لم يأت الانسحاب مبكرا بعد الإعلان الدستورى؟ أو حتى بعد الأحداث الدامية فى مجلس الوزراء ومحمد محمود؟
لماذا الانسحاب الآن ومجلس الشعب فى طريقه لانعقاد دورته البرلمانية، ولماذا أيضا الآن قبل الاحتفال بذكرى الثورة ؟
هل ستخرج الجماهير لتطالبه بالعودة عن التنحى يوم 25 يناير؟