قلنا إن انسحاب البرادعى من الترشح للرئاسة ربما يكون خطوة على الطريق الصحيح، وأن يتحول إلى لعب دوره كمحفز وداعية سياسى بعيدا عن منافسات هو ليس جاهزا لها، وهو ما سوف تكشفه الأيام المقبلة، وما إذا كان سيطور أداءه أم يبقى فى سياق تويتر.
الدكتور البرادعى من خلال تجربته ليس من النوع الذى يصر على خوض منافسات أو ألعاب السياسة، وهى أمور لها قواعدها وضروراتها، وربما يكون اضطر لخوض الأمر بضغوط ممن حوله أكثر من قناعته بها. وليس عيبا أن يعترف الرجل بأنه بلا خبرة سياسية فهو لم يمارس السياسة وينتمى إلى الدبلوماسية، وخبراته تؤهله أكثر للعب دور المحفز، والمحفز فى الكيمياء عنصر يكون وجوده ضرورياً للتفاعلات الكيماوية دون أن يتفاعل مع أى من العناصر، يدخل التفاعل ويخرج منه كما هو بلا تغيير، هو دور مهم وضرورى لكنه لا يجعله طرفا فى حسابات ليس جاهزا لها.. وهو دور لعبه آخرون فى التاريخ، والبرادعى لم يتجاوز دوره الأول، ثم إن أنصاره بالغوا فى أهمية الدور الذى لعبه فى ثورة يناير كواحد من كثيرين، بينما تأخر فى خطواته وغاب حيث يجب له أن يكون حاضراً، مكتفياً بلعب دور على تويتر كان أقل من الرهان عليه، بينما كان مناصروه يشعرون بالحرج من مواقفه دون أن يعترفوا بذلك.
كانت الفكرة لدى بعض أنصاره وربما تسربت إليه أن يأتى البرادعى بدون انتخابات، ويتم اختياره رئيساً لمدة واحدة يكون فيها قادراً على الإشراف على الدستور والمرحلة الانتقالية، وبدا أنه يفضل هذا الدور، لكن لم يكن هناك اتفاق من التيارات السياسية الأخرى، أو لنقل إن البرادعى لم ينجح فى إقناع مخالفيه أو اختراق جبهات من يختلفون معه، وبعد نتائج الانتخابات تأكد ضعف فرصته، ثم إنه اكتفى بتوجيه انتقادات للمجلس العسكرى على أخطائه وهى انتقادات صحيحة، لكنه لم يقبل أن يعترف بأخطائه وأخطاء حملته وغيابه عن دعاوى مؤيديه.
وبدا أنه يطالب بقوانين مختلفة عن القائمة بالرغم من أن الهدف هو تغيير هذه القواعد بالمحاولات وليس فقط بالاعتراض، ولو كانت كل القواعد سليمة ماكنا فى حاجة لتغيير النظام، ولم يكن لديه حلول أو بدائل لمطالبه، لأن السياسة هى القدرة على طرح البدائل وأكثر من خيار، ليس طريقاً واحداً بديله الانسحاب واللافعل، ثم إن حملة البرادعى كانت أكثر تأثيراً من أدائه، وعندما انسحب اضطر بعض مؤيديه لتأييده كما اعتادوا، بدون رؤية نقدية للموقف، أو طرح برنامج عمل للمرحلة المقبلة تجعل البرادعى محفزاً سياسيا، وتحديد نقاط القوة والضعف وتجاوز حالة المبالغة، والأهم هو تجاوز حالة الانسحاب أو « الانقماص» السياسى، التى تميز رجلا كان يمكنه أن يلعب دوراً أهم بكثير.