قد يندهش البعض من ذلك العنوان، على غرار ما ذهبت إليه مجلة «الأهرام الاقتصادى» نهاية ثمانينيات القرن الماضى «وصف مصر بالأمريكانى»، ولمَ لا فالمنيا من الأقاليم العظمى! فهى مهد التوحيد من إخناتون حتى الحركات الدينية المعاصرة، الإسلامية «التكفير والهجرة، الجماعة الإسلامية، الجهاد... إلخ»، وما تلاها من تيارات حديثة مثل «الوعى - التيار المصرى» وعلى الضفة الأخرى، فالمنيا منطلق أساسى لتواجد الآباء اليسوعيين منذ مطلع القرن التاسع عشر، بما لهم من أدوار روحية واجتماعية وثقافية، وتضم أحد أبرز الأديرة المؤسسة للرهبانية المصرية «دير الأنبا صموئيل المعترف»، واحتمت بها العائلة المقدسة بدير العذراء فى أول لجوء سياسى دينى فى التاريخ، ومنها انطلقت تيارات حداثة على يد الراحل الكبير القس الدكتور صموئيل حبيب، مؤسس الهيئة القبطية الإنجيلية، قبل أن تطالها رياح العولمة الغربية، ولا نغفل دور ابنة الدكتور رفيق حبيب فى بناء أول جسر بين الإسلام السياسى والمسيحية السياسية، ومن المنيا أيضا انطلقت الحركات الأصولية المسيحية مثل «تيار الدانياليين» نسبة إلى الراهب السابق دانيال البراموسى الذى خطا على منهج مارتن لوثر، وتزوج وأسس تيارا سلفيا مسيحيا.
طوال ثلاثة أسابيع عشتها فى المنيا، تقابلت مع ممثلين لكل التيارات، سواء من الإسلام السياسى، أو ما أسميه بـ«المسيحية السياسية»، استمعت لهم بقلب مفتوح، وذهن مدرك لهذه الحركات، وأدركت أن المنيا سوف تؤسس لمدرسة تحاول الإجابة عن سؤال: «هل الدين محرك التاريخ أم الاقتصاد؟»، وبعيدا عن التخوفات المشروعة لدى البعض، خاصة من أبناء الأقليات الدينية أو العرقية أو الثقافية، فإن المواطنين المصريين الأقباط المنياويين تدفقوا كالنهر للمشاركة السياسية، كما أنهم شاركوا فى كل الأحزاب، بما فى ذلك حزب «الحرية والعدالة»، وأكاد أجزم بأن الأقباط صوتوا لقوائم تضم أكثر من %70 من المسلمين، ولعبوا دورا مؤثرا فى رسم الخريطة السياسية بالمنيا، وأصبحوا قوة مؤثرة يُعمل لها ألف حساب، ورغم سخونة المعركة الانتخابية فإنه لم تسجل حادثة طائفية واحدة، بل كان الصراع سياسيا أكثر من تجلياته الدينية.
وعلى سبيل المثال فإن الصراع المسيحى - المسيحى كان على أشده بين قائمة الكتلة فى شمال المنيا، وقائمة حزب الحرية، وبالمثل كان الصراع الأكثر سخونة بين قوائم الحرية والعدالة، والنور، والوسط.
فى جنوب المنيا صوّت عشرات الآلاف من الأقباط لقوائم الكتلة والوفد، رغم أنهم يعلمون أن من سينجح سيكون منهم مسلمون، وفى شمال المنيا صوّت عشرات الآلاف من المسلمين، بمن فى ذلك الإخوان، لحزب الحرية والعدالة.
وعلى الجانب الإسلامى ظهرت مقولات مثل الولاية الصغرى «حكم مصر»، والولاية العظمى «الخلافة»، وأن الصراع بين الإخوان والسلفيين ليس على «الولاية الصغرى» بل على منهجية إدارة الولاية العظمى بين المنهج الوهابى السعودى، والمنهج الوسطى الأزهرى الشريف، وتحت نظريات التطور يدور الصراع على الأزهر بين السلفيين والإخوان، أكثر من صراعهما على البرلمان.