حالة الحيرة تنتشر بين قطاعات واسعة من المصريين ولا يمكن القول إن كل الناس لديها اليقين الذى يتحدث به السياسيون والمنظرون الفضائيون. وقد أصبحنا نمتلك عددا وافرا من المتحدثين فى السياسة والاقتصاد والثورات والبرلمان والقانون والدستور، كل منهم يعتبر نفسه الوحيد الذى يمتلك الحقيقة. وبالرغم من ثروتنا الهائلة من الكلام يصعب القول أن هناك رأيا عاما واضحا حول أى قضية. لا اتفاق على الدستور أو شكل الدولة أو البرلمان، هناك حالة من التزاحم تشتت أكثر مما تجمع وتقنع.
النتيجة أننا بعد عام من ثورة يناير من الصعب أن نقول إننا لدينا تصور واضح، فاز الإسلاميون فى الانتخابات ولا يمكن القول أن لدينا تيارا واحدا بمرجعية إسلامية لدينا الإخوان والسلفيون والجماعة الإسلامية، ولا يمكن القول أن الليبرالية اتجاه واحد وليس الوفد مثل المصريين الأحرار أو العدل، واليسار ليس التجمع أو الثورة مستمرة أو الاشتراكى.
لدينا مئات الائتلافات باسم الثورة وعشرات من الزعامات باسم تنظيمات. كل منهم له وجهة نظر تختلف مع غيرها. ونفس الأمر بالنسبة للموقف من أى حدث منهم من يرفض الانتخابات ومن خاضها وارتضى نتائجها، وفى 25 يناير هناك من يخرج للاحتفال ومن يخرج لمواصلة الثورة، ومن يخاف من الحرق ومن يدعو إلى العنف. كل هذا يصنع حالة من الجدل والشوشرة تجعل المواطن الباحث عن موقف حائرا ومشوشا. وهو ما لخصته مواطنة بالقول «إحنا اتشوشرنا».
هذه الشوشرة تنعكس على وجوه الناس العاديين ممن يريدون أن يشتغلوا «مواطنين» ليس لهم فى الزعامة ولا القيادة لا يطمحون لمناصب برلمانية أو سياسية، يريدون فقط أن يعرفوا ويتفهموا أول الحكاية من آخرها، لكن كبار المشوشرين لا يمنحون هؤلاء الفرصة، ويتهمونهم بأنهم لا يفهمون الفولة ولا يعرفون مصلحتهم. يسميهم البعض حزب الكنبة.
تلسينا عليهم، وهم فى النهاية بشر عاديون يريدون الستر.
والمواطن منصب مهم فى الأنظمة الديمقراطية، تتحدد قدرته على المشاركة فى مدى اقتناعه بأن السياسة تجرى من أجله.
كثيرون لا يريدون الاعتراف بأن بناء نظام جديد أمر صعب يتحمل كل الأفكار، ويحتاج إلى من يمتلكون القدرة على تقريب وجهات النظر بعيدا عن صراع الثنائيات والاستقطابات التى تطالب المواطن أن ينحاز لفريق من فريقين، بينما الحياة اختيارات ووجهات نظر تتحمل أن يكون هناك فرق مختلفة واتجاهات متعارضة.
وعلى السادة المشوشرين أن يحترموا وجهات نظر المواطنين الذين يريدون الاستقرار، ويزعجهم زحام الخلافات والصراعات والتصريحات، والتصريحات المضادة، والشائعات التى تضاعف الشوشرة ولا تقنع أحدا. ومن حق المواطن أن يختار منصب المواطن.