للتاريخ أبواب كثيرة، وقدر الأفذاذ أن يسكنوا التاريخ، من كان فذا فى محبة الناس وضعه التاريخ على قمته، ومن كان فذا فى اضطهاد شعبه وتعذيبه ضمه التاريخ أيضا مصحوبا باللعنات، وحتى إن اجتهد المزيفون فى طمس الوقائع وقلب الحقائق وتبديل المواقف، يتسرب إلينا حكم التاريخ عبر منافذ عديدة من أهمها الغنوة والمأثورات الشعبية والحكم والأمثال والهتافات.
كانت الهتافات شاهدة على وعى المصرى وسخريته الدائمة من حكامه، فقبل ما يزيد على المائتى عاما هتف المصريون ضد الوالى العثمانى عثمان بيك البرديسى الذى فرض عليهم ضرائب باهظة قائلين «إيش راح تاخد يا برديسى من تفليسى» كما جرسوا عباس باشا حينما أفرط فى بيع أراضى مصر للأجانب صائحين «عباس باع أرضه ياولاد.. يا ولاد شوفوا طوله وعرضه.. يا ولاد يا ولاد غنوا له.. يا ولاد على عرضه وطوله».
ولما جثم الاستعمار على صدور المصريين حاربوه أيضا بالهتافات التى حملت سبا مباشرا مثل يا «عزيز يا عزيز كُبّه تاخد الإنجليز» أو حملت تحديا وطنيا ومجاهرة بالانتصار لأبناء الوطن مثل «يحيا الوفد ولو فيها رفد» ولما أتت ثورة يوليو ورأى الشعب فى عبدالناصر ملهمهم وزعيمهم هتفوا له قائلين «يا جمال الشعب معاك إحنا الشعب واخترناك» ولما قرر ناصر أن يتنحى ويترك الحكم لزكريا محيى الدين هتفوا قائلين «ارفض ارفض يا زكريا.. عبدالناصر مية مية» وإمعانا فى الإخلاص لقائدهم ودعوه إلى مثواه الأخير والدموع من أعينهم تنكب منتحبين «أبكى أبكى يا عروبة.. ع اللى بناكى طوبة طوبة».
ويمكن لأى متابع أن يعرف رأى الشعب فى السادات حينما يلقى نظرة عابرة على نوعية الهتافات التى ناشدوه بها حينما خرج الناس إلى الشوارع اعتراضا على سياسة اللا حرب واللا سلم قائلين: يا سادات يا سادات سينا عايزه الدبابات» وحينما بدأت حملة تكميم الأفواه قالوا له: «إسرائيل بتنام فى سينا واحنا نزلنا فى الزنازينا» و«هى الكلمة فى بلدى حرام ولا عاوزنا نعيش أغنام».
ولم تنقطع الهتافات المنددة فى عصر مبارك، سواء فى أزمة مقتل سليمان خاطر، أو فى أزمة حرب العراق، أو فى أزمات الغلاء ومجابهة التوريث وتوغل أمن الدولة، وانتهاء بمظاهرات يناير، وهى أقرب من أن نذكر بها، لكن ما يجب الإشارة إليه هنا أن التاريخ سيحفظ جيدا أن شباب مصر الذين احتفلوا بقدوم عام 2012 فى ميدان التحرير كانوا يهتفون: هابى نيو ييير.. يسقط المشير.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة