بعد سنة من دخولنا الميدان غير عابئين بآلات الكذب والقهر والطغيان والتزييف، ندخل إليه مرة أخرى، محملين بخبرات الأيام الطوال، بآلامها وآمالها، بمنحنياتها وانعطافاتها وانتصاراتها وهزائمها، بدمها ودموعها، وسجونها ومحاكماتها، سنة مرت وكأنها ألف عام، وها هى بشائر السنة الثانية من الثورة تهل علينا، وبعض القلوب يملؤها الخوف، والبعض الآخر يتسرب إليها الإحباط، ويطل الأمل علينا من حين لآخر. لا منقذ لنا إلا التمسك ببقايا الأمل فى النفوس وتحصينها ضد الإحباط، وللأسف بعض الأصدقاء الذين رافقونا فى الميدان بذاتهم أو بقلوبهم، نال منهم اليأس وتخبطوا وكأنما مسهم من الشيطان مس، كانوا يعتقدون خطأ أن مجرد القيام بثورة على حاكم طاغ، كفيل بأن يجعل الدنيا أجمل من الجنة، ناسين أن الطريق طويل، ومن لم يتزود بزاد الإيمان والمحبة والتفانى والإخلاص، فسينقلب على عقبيه، أما البعض الآخر فمازال محتفظا بروحه الوثابة وعقله اليقظ وآماله العظيمة وخفة دمه المبهرة، هؤلاء هم الأمل، إن رأيتموهم فصاحبوهم، وإن قابلتموهم فأحسنوا استقبالهم، فلن يكتب لنا استكمال الثورة بأرواح يائسة ولا قلوب خانعة، فالثورة «نور واللى طفاها خبيث» ومن الخبل أن نستسلم للخبثاء.
ها نحن على أبواب التحرير، ولم يتبق إلا ساعات قليلة لندخل الميدان كما دخلنا أول مرة، غير أن الصورة اختلفت، والمعطيات تغيرت، وما كان يصلح منذ عام لا يصلح الآن، وما لا شك فيه أنه حتى الآن لم يحدث شىء يذكر، وهو ما لخصه محامى المخلوع فريد الديب حينما قال إن مبارك مازال رئيسا لمصر! ومعه كل الحق سواء من الناحية العملية أو من الناحية القانونية، لأننا مازلنا نحتكم لقوانين مبارك التى بح صوتنا فى المطالبة بإعادة النظر فيها، كما أننا مازلنا نحتكم إلى دستوره ولم نلغه، بل أجرينا عليه «فقط» بعض التعديلات، ولهذا لا يوجد أمامنا إلا حلان من أجل استكمال الثورة، الأول أن نسعى لثورة ثانية، وهو ما سيقابل باستياء كبير من إخواننا الذين أدلوا بأصواتهم فى الانتخابات، أما الحل الثانى فهو أن ننقل معركتنا إلى خندق الدفاع المستميت عن أصول الديمقراطية وحقوقها، وهو ما أميل إليه، ولهذا آمل ألا ندخل فى اعتصام بعد يوم 25 يناير، وإن كان لابد من استمرار التظاهر، فإنى أؤيد الرأى القائل بالتظاهر كل يوم ساعات محدودة، فأمامنا معركة كبيرة لم نستعد لها حتى الآن وهى معركة المجالس المحلية التى يجب أن يحتلها شباب الثورة لينقلوا ميدان التحرير إلى كل ربوع مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة