من المفترض أن يكون اختلاف نواب الشعب فى البرلمان عاملا بناء يثرى ولا يفْقِر، يقوِّم ولا يعوج، وهذا ما تضمنه قواعد اللعبة الديمقراطية التى تستبدل أدوات المبارزة من السيف والمدفع والبندقية إلى الرأى والحجة والبرهان، لكن إن لم تتم ممارسة هذه القواعد وفق إطار من القانون والدستور فقدت «اللعبة» معناها وأصبحت «سويقة» يفعل فيها كل امرئ ما يهوى، وبدلا من أن تكون الديمقراطية بديلا عن النزاع، أججته ودعمته.
أقول هذا بالطبع بعد أن شاهدت شذوذ أحد أعضاء البرلمان عن القاعدة المتعبة فى الجلسة الأولى ومراسم تلاوة القسم البرلمانى، وما صاحب هذا من سجالات ومناقشات، منبها إلى أن عدم الالتزام بقواعد الديمقراطية يعطى فرصة لمن لا يريدونها للانقلاب عليها، فمن المفترض أن يصبح البرلمان مائدة حوار حول الوطن بمعناه الأكمل والأشمل، لا أن نزايد فيه على تديننا وتمسكنا بوجهة نظرنا حول «شرع الله» من عدمه، وإلا فماذا سيكون رد فعل هذا النائب أو ذلك إذا ما قال أحد نوابنا المسيحيين أقسم بالله العظيم أن أحافظ على الوطن فيما لا يخالف الإنجيل «مثلا»؟
وقبل أن يقول قائل: أى دستور سيحافظ عليه والدستور لم يكتب بعد؟ فسأرد بأن هذا خطأكم يا من تمسكتم بإجراء الانتخابات قبل الدستور، مستخدمين فزاعة الالتفاف على إرادة الشعب والاستفتاء، وما كان عليكم إلا الالتزام بالإعلان الدستورى الذى ارتضيتموه والذى يقول فى نص مادته رقم 62: كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان الدستورى يبقى صحيحا ونافذا، أى أن هذا النائب الذى ردد القسم «على مزاجه» خالف نص الإعلان الدستورى ضاربا بالمجلس العسكرى، والشعب المصرى عرض الحائط.
تجدر الإشارة هنا إلى أن أحد النواب الأفاضل اعترض على اعتراض النائب رئيس الجلسة الافتتاحية، قائلا إن القسم يقول أن أحافظ على الدستور والنظام الجمهورى، قائلا الدستور لسه ماتعملش ومش عارفين هنبقى نظام جمهورى ولاّ برلمانى، وهذا بالطبع يدل على جهل سيادة النائب بأنظمة الحكم، فالنظام الجمهورى يتضمن النظامين «الرئاسى والبرلمانى» ونقول جمهورية برلمانية وجمهورية رئاسية، وعكس النظام الجمهورى هو النظام الملكى، وهذا ما لا أعتقد أن الدستور الجديد سيقره، وتأتى مأساة حلف اليمين هذه قبل يوم واحد من مرور الذكرى الأولى لثورة يناير، وهنا أدعو إخوتى فى الميدان إلى تحديد موعد لإلقاء قسم الثورة الذى كنا نردده قديما بما يتميز به من وطنية ومحبة حقيقية، لعل قسم الميدان يصلح ما أفسده قسم البرلمان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة