لا أحد ينكر دور المجلس العسكرى والجيش فى حماية الثورة فى أيامها الأولى، كما لا يختلف كثيرون عن الأداء السياسى المحبط للمجلس العسكرى وتخبطه فى إدارة المرحلة الانتقالية والتهيئة للوصول بالبلاد لمرحلة الثبات والاستقرار السياسى، كما أن لنا ملاحظات استنكارية غاضبة على التعامل بعنف مفرط وثأرية مع الاعتصامات والتجمعات الثورية من قبل المجلس العسكرى، وعدم الحكمة فى التعامل مع شباب ثائر يريد مصلحة مصر، حتى وإن تباينت طبقاته الاجتماعية، فى الوقت الذى كان يتعين عليه أن يقوم بتسييس تلك القوى بتحقيق مطالبها المعقولة والعادلة بدلا من معاندتها، ثم التعامل مع الطلبات السياسية بالأدوات الأمنية وبسلاح الردع والمواجهة.
فمنذ اللحظة الأولى لنزول الجيش لشوارع مصر فى 28 يناير، بدا أنه سيكون لاعبا رئيسيا فى الحياة السياسية، وتأكد ذلك يوم تنحى مبارك عن الحكم وإسناده المهمة للجيش صاغرا، وكان من الممكن بعد أن حيا المجلس العسكرى الشهداء، أن يتسيد المشهد كاملا ببطولة الفرسان، لو كان دقق فى اختيار مستشاريه السياسيين، بعيدا عن توازنات القوى فى الميدان فى اللحظة والتو، وإن كانت مشاهد الماضى قد كتبها تخبط الأداء السياسى، فإننا نتمنى أن نتجنبه عند اختيار رئيسنا القادم، حتى لا نصل للنتائج نفسها وعن طريق الأسباب نفسها.
لذا لابد أن نحدد كود الرئيس المصرى القادم، لأن مواصفاته لابد وأن تكون استثنائية، مثل اللحظات التى لم تمر بها مصر منذ فجر التاريخ، ولابد أن نضع نصب أعيننا أن موازين القوى السياسية من ثوار وأحزاب ومنظمات مجتمع مدنى وشخصيات عامة، قد أضيف لها بعد الثورة المجلس العسكرى، كما أضيف لها الشعب الذى كان فاعلا ومؤثرا فى اختياراته الخاصة فى انتخابات مجلس الشعب، فلقد أتى البرلمان ممثلا لمصر العميقة التى لا تراها العين ولكنها تشكل الأحداث على السطح بفاعلية وبتأثير مباشر.
يجب أن يكون رئيس مصر القادم متماسا مع الدولة المصرية وليس جزءا من ماضيها البغيض، لابد أن يجيد التعامل مع الأروقة البيروقراطية دون أن يستسلم لها، إلى أن ينجح فى تطويرها، يجب عليه أن يكون على مسافة واحدة من كل القوى الوطنية السياسية، حتى وإن كان ابنا شرعيا لإحداها، يجب أن يكون الرئيس محل توافق، حتى يستطيع أن يعمل رجل إطفاء حينما تشتعل الأمور وتتناحر القوى السياسية ويضج المواطنون فى البيوت، لابد أن يكون له ماضى دولى حتى نقطع فترة الترقب والتوجس من القوى الدولية، لأن مصر تحتاج بشدة لتعاون وشراكة من كل دول العالم قاطبة، لابد أن تكون له صلات عربية شفافة لا يشوبها استحقاقات سياسية أو مطالبات بفواتير مستحقة نظير خدمات سابقة، لابد أن يجيد التعامل مع سلطة سابقة وهى المجلس العسكرى، لأنها ستستمر فى إدارة أهم مؤسسة سيادية فى الدولة، فمن قدر مصر أن تتحول من رئيس مستبد احتكر الحكم لثلاثين سنة، إلى سلطتين إحداهما سابقة والأخرى لاحقة، وعليهما أن يتعاونا ويتوازنا، وكأن القدر قد أغدق مصر سياسيا بعد طول انقطاع واحتباس، وختاما، لابد أن يتيقن الرئيس القادم بأن تحية المجلس العسكرى له راسخة وواثقة لأنها تحية قائد لقائد!!!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة