على الحركة الإسلامية ألا تظن أنها أتت إلى الحكم لتعلّم الشعب المصرى الإسلام من جديد، وكأن هذا الشعب المتدين بطبعه وفطرته لم يكن يعرف الإسلام الحق من قبل أو لم يفهمه أو لم يكن مكتمل الإسلام، فإذا فعلت ذلك فستقع فى خطأ كبير، فهناك من بين أبناء الشعب المصرى العادى من هم أعمق فهماً للإسلام وأكثر تطبيقاً لمبادئه من بعض الإسلاميين.
فالإسلام مستقر فى نفوس الشعب المصرى منذ قديم الزمن، وقد كان آباؤنا وأجدادنا أفضل وأعمق تديناً، وكذلك كانت أمهاتنا وجداتنا أعمق إدراكاً لمعانى الإسلام من كثير منا حتى إن لم يستطع هؤلاء أن يعرفوا الأدلة على كل حكم فيه.
فقد يكونون أكثر توكلاً ويقيناً منا رغم أنهم لا يعرفون دليلاً واحداً على وجوب التوكل على الله، وقد يكونون أكثر حلماً وصبراً وأناة منا رغم أنهم لا يستطيعون ذكر دليل واحد على أهمية هذه الأخلاق.
لذا ينبغى على الإسلاميين أن يدركوا أنهم جاؤوا إلى الحكم لخدمة الشعب المصرى وحل مشاكله وإزالة الفساد الذى تفشى فى مؤسسات الدولة.. وإقامة العدل بين القريب والبعيد، والمسلم والمسيحى، والإسلامى والليبرالى.
فالعدل أهم ما يحتاجه المصريون اليوم من الإسلاميين وهم فى سدة الحكم، والعدل هو القيمة العظمى التى يحتاجها المصريون سواء كان عدلاً سياسياًَ أو اجتماعياً.
نريد أن نأكل من ثمار أرضنا لا من غراس غيرنا، وأن نلبس من نسيج مصانعنا، أن نحيى الإنسان المصرى مرة أخرى ونعيد له كرامته المفقودة، وأن نعطى للآخرين نموذجاً للدولة الحديثة التى تجمع بين ثوابت الإسلام ومفاهيم الدولة العصرية الحديثة، وأن نقبل محاسبة ونقد المصريين لنا دون أن تأخذنا الحساسية الدينية أو أن نصف كل ناقد لنا أنه يعادى الإسلام أو يحارب الحكم الإسلامى.
فالإسلام يختلف عن الحركة الإسلامية، والإسلام يختلف عن الحكم الإسلامى، فالأول معصوم والثانى غير معصوم، وأن نفرق بين التعاليم المعصومة والتطبيقات التى تحتمل الصواب والخطأ.
وأن نعالج عشرات العلل المحلية والوافدة التى نخرت فى الكيان المصرى، وأن نعلم أننا لسنا أسياداً للناس، لأننا وصلنا للحكم، بل خدم للشعب المصرى العظيم الذى يمثل قاعدتنا العريضة وذخيرتنا الإستراتيجية التى لا نستغنى عنها أبدا، وأن نقاوم التكاسل والشللية والنفعية وتقديم الثقات، وكل هذه الأدواء أصابت كل المجتمع المصرى بلا استثناء، ولم تصب مؤسسة الحكم فقط، وأن نقاوم رغبة الموظف المصرى العارمة فى خصخصة وظيفته لنفسه وجيبه وأسرته، وأن نقاوم التوريث الذى ضرب المجتمع المصرى كله فى مقتل بدءاً من المصنع والقضاء والنيابة والتدريس فى الجامعات والبترول والكهرباء ولم يصب مؤسسة الرئاسة فحسب.
وكل ذلك يحتاج إلى تقوى القلوب أكثر من علم تمضغه الألسنة، ولا مردود له فى النفوس والأفئدة والواقع العملى، حتى أصبح التدين المصرى ظاهره أقوى من باطنه، وشكله أفضل من مضمونه مع أن الله سبحانه وتعالى يقول فى كتابه «وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ».
هذه هى رسالة الإسلاميين الآن بعد أن حصلوا على أغلبية البرلمان المصرى، وهى تكليف لا تشريف، وتحتاج إلى من وصفهم الله بقوله «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة