بعيداً عن صخب العاصمة، وتوهم البعض أنه بالميادين وبرامج التوك شو تتحرر الأوطان، وليس بالمصانع والحقول والناس الغلابة، عشت ثلاثة أسابيع فى المنيا خلال فترة الانتخابات الأخيرة، تقابلت مع ممثلين لكل التيارات وتوقفت بشكل خاص أمام شاب فى منتصف العقد الثالث من العمر يُدعى محمد جمال، المرشح المستقل، وهو أحد أبناء التيار المصرى المنشق عن الإخوان المسلمين بعد ثورة 25 يناير. شاب يمتلك زعامة كاريزمية، وأفكارا تجمع ما بين يسار الوسط والليبرالية، واستطاع هذا الشاب أن يجمع بمفرده 28 ألف صوت «أى أكثر من نصف ما حصلت عليه قائمة الوسط»، ووقف خلف هذا الشاب لفيف من الشباب المسلم والمسيحى، وأعتقد أن ذلك الشاب سوف يملأ فراغ تضاؤل نفوذ اليسار التقليدى، ومن غرائب اليسار الصعيدى أن ينسحب من قائمة «الثورة مستمرة» بالمنيا ثلاثة مرشحين، ولأول مرة فى تاريخ اليسار المصرى ينسحب أحد الأعضاء أو المرشحين، وبدلا من أن ينضم إلى أحزاب أو تيارات أكثر راديكالية، يعلن انضمامه إلى حزب النور السلفى! وتعرفت على نخبة من الشباب المسيحى الذى انخرط فى السياسة منذ ثورة 25 يناير، فيما أطلقت عليه «المسيحية السياسية»، وفى مقدمة هؤلاء الدكتور نادى كستور، العضو المؤسس للحزب المصرى الديمقراطى، وهو ممن يطلق عليهم فى علم السياسة «قيادة طبيعية». دكتور نادى كستور هو المسؤول عن النشاط الكشفى بالكنيسة الأرثوذكسية بالمنيا، وأحد أبناء أعرق العائلات القبطية الوطنية، يلتف حوله مئات الشباب من مختلف الاتجاهات، مسلمين ومسيحيين، أغلبهم من الصيادلة والأطباء بحكم انخراطه فى العمل النقابى منذ سنوات طويلة، كما أنه أحد الأبناء الحقيقيين للطبقة الوسطى حاملة القيم الروحية والأخلاقية والوطنية، لم يكن انضمامه للحزب المصرى الديمقراطى دفاعا عن مسيحيته فحسب، بل يمتلك دكتور نادى كستور والتيار الشبابى الملتف حوله رؤية وطنية أقرب للأحزاب الاشتراكية الديمقراطية المسيحية الأوروبية، فهو من جهة يرفض الأحزاب ذات المرجعية الدينية حتى لو كانت مسيحية، كما أنه يرفض إعطاء الأولوية فى الدفاع عن الهوية الدينية على حساب الوطنية، ويقف خلف هؤلاء جميعا فكر مستنير لأسقف يمتلك رؤية لاهوتية وطنية سياسية هو الأنبا مكاريوس «الراهب كيرلس البراموسى سابقا»، وهو من الرهبان التقدميين والزاهدين الذين ينتظرهم مستقبل وطنى وكنسى كبير، استمعت لهم بقلب مفتوح وذهن مدرك لأقدار هذه الحركات، وعلى الجانب الإسلامى ظهرت مقولات مثل الولاية الصغرى «حكم مصر»، والولاية العظمى «الخلافة»، وأن الصراع بين الإخوان والسلفيين ليس على «الولاية الصغرى» فحسب، بل على منهجية إدارة الولاية العظمى بين المنهج الوهابى السعودى، والمنهج الوسطى الأزهرى الشريف، وتحت نظريات التطور يدور الصراع على الأزهر بين السلفيين والإخوان، أكثر من صراعهما على البرلمان، وكيف أن فضيلة شيخ الأزهر- معتمدا على ما تبقى من وسطية- يطرح مقترحاته ووثائقه، لحماية المشيخة فقهيا من ديمقراطية الاحتشاد المذهبى التى قد تأتى بشيخ للأزهر يعكس هذه الصراعات، عبر أغلبية عددية، وليس بفقه وعلم وسطى، كما أن هناك مفاهيم أخرى كثيرة سوف تتبدل عبر القطيعة المعرفية والمفهومية التى سوف تحدث مثل «سيادة الدولة، دول الجوار، فقه الأقليات»، كل ذلك سوف تتم إعادة تشكيله وفق قواعد العولمة الدينية الإسلامية الجديدة، تلك العولمة التى سوف تبدأ مع انتهاء الحرب الدينية العالمية الباردة، وانتهاء عصر «الإسلاموفوبيا»، حينذاك سوف يشهد العالم عولمة دينية «إسلامسيحية» يتحالف فيها اليمين الدينى الأمريكى المسيحى مع اليمين الإسلامى الصاعد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة