«كان يا ما كان، ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام»، شباب «زى الفل»، خرجوا من كل مكان، من كل صوب وحدب، إلى قبلتهم، قلب قاهرة أعدائهم، توافقوا على أن التخلص من الطغيان هو غايتهم، وأعلنوا الحلم يومها على رؤوس الأشهاد، تحدثوا فسمع العالم، وصرخوا فسكت الجميع، طهروا بلادهم بالدماء، وقدموا التضحية فى عيد أرّخوه بأنفسهم، سمعت السماء نداءهم بعد أن قبلت «الفدو»، وأزاحت مَن جثم على أرواحهم فأضاع ماضيهم، ومحا مستقبلهم، تحققت المعجزة، ووقف الطاغوت خلف القضبان عبرةً لمن تسول له نفسه أن يظلم شعباً، وأن ينسى رعيته.
كان يا ما كان، فرح الشباب، كانوا جميعاً «إيد واحدة»، غنوا ورقصوا وكانوا للمرة الأولى «شعباً واحداً».. تحقق الوطن ساعتها، وكانت سعادة حتى الثمالة، نامت مصر يومها مطمئنة.. وما نامت أعين الظالمين بعدها أبداً.
كان يا ما كان، ذهب الشباب، كلٌ فى طريق، تصوروا أن التخلص من الظالم يكفى وحده لبناء وطن جديد، واعتقدوا أن الحق يولد وحده بعد أن يزهق الباطل، لم يعرفوا أن النيات الطيبة وحدها لا تكفى لاستكمال ثورة، وأن ما يبنى فى ثلاثين عاماً لا تكفيه ثمانية عشر يوماً لاجتثاثه من جذوره.
كان ياما كان، «أربعين حرامى» ظلوا مختبئين، حتى أنهى الشباب مهمتهم الجليلة، «الأربعين حرامى» كانوا كباراً فى السن قاربوا الثمانين عاماً، ادخروا خبرتهم، واحتفظوا بطاقتهم لليوم الموعود الذى بشر به زعيمهم، تحققت البشارة، ومهد الشباب الطريق، أصبحت الأمنيات المستحيلة متاحة، قفز «الأربعين حرامى» قفزة رجل واحد، خطفوا الثورة.. والفرحة.. والثقة فى التغيير.
كان ياما كان، فَهِم الشباب متأخرين، أن ظهورهم المكشوفة ليست فى مأمن، وأن ثورتهم لم تعد لهم، وأن من لا يملك أعطى الثورة لمن لا يستحق، وخرج الشباب من «الثورة» بلا حمص.
كان يا ما كان، شباب «زى الفل»، خرجوا من جديد من كل مكان، من كل صوب وحدب مرةً أخرى، إلى قبلتهم، قلب قاهرة أعدائهم، لكنهم هذه المرة تعلموا أن الأعداء ليسوا هؤلاء الجالسين على الكراسى وحسب، لأن مثلهم يجلسون على كراسى لا نراها، فى انتظار الفرصة، وأن الكرسى فى كل الأحوال ليس مسموحاً به لمن يقوم بثورة.
لسه الحدوتة ما خلصتش.. علشان نعرف كانت حلوة ولا ملتوتة!