مساء جمعة الغضب فى 28 يناير الماضى وبعد اختراق الجموع الزاحفة من بولاق وإمبابة والدقى والجيزة، كوبرى الجلاء وحواجز الأمن تحت ستار الدخان الكثيف من مئات القنابل المسيلة للدموع فى الطريق إلى كوبرى قصر النيل وميدان التحرير، وقفنا أنا والصديق محمد الدسوقى رشدى نشاهد مبنى الحزب الوطنى وألسنة النار تتطاير من كل جوانبه، لم يكن هناك وجود لقوات الأمن فقد انسحب جميع أفراد الشرطة، تاركين المنشآت الحيوية بلا حراسة وحماية، المشهد كان موحشا، فالنار تتسع من الحزب إلى مبنى المجلس الأعلى للصحافة وتلتهم فى طريقها كل مؤسساته وهيئاته وتكاد أن تصل إلى أسوار المتحف الملاصق للمبنى، تعالت صرخاتنا للشباب من حولنا بالإسراع لإنقاذ آثار مصر فى المتحف وحمايته بأجسادهم من محاولات اللصوص لنهبه، وتجلت عظمة هذا الشعب فى شبابه الذين أحاطوا المتحف بسلاسل بشرية وتصدوا لكل محاولات اقتحامه، فى تلك اللحظة لاحت دبابات ومركبات الجيش العسكرية قادمة من ميدان عبدالمنعم رياض، وانطلقت لحظة فرح هيسيترية وفجأة كان الآلاف من الموجودين بالقرب من المتحف والميدان وعلى كورنيش النيل يرتفع صوتها بشكل عفوى بشعار أصبح أيقونة التحرير فى الأيام التالية ورددنا جميعا «الجيش والشعب إيد واحدة».
وامتدت الأيدى مصافحة رجال القوات المسلحة الرابضين فوق ظهور الدبابات.. عانقنى دسوقى بشدة بفرحة كبيرة ورحنا نردد «الجيش والشعب إيد واحدة»، فأخيرا نزل الجيش ليحسم المعركة ولينضم إلى الشعب قبل أن يعلن قياداته الانحياز الكامل فى البيانات الأولى لثورة الشعب ضد مبارك ونظامه الذى كان مازال جاثما على الحكم.
قلت لصديقى دسوقى «هذا هو جيش مصر الذى لم ولن ينحاز أبدا لمبارك».
فى اليوم التالى توالت بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة تؤكد وقوف الجيش إلى جانب الشعب فى مطالبه المشروعة والالتزام بحمايته، والتى كان أوجها لحظة أداء اللواء محسن الفنجرى التحية العسكرية لشهداء الثورة.
بعد مرور عام على ذلك المشهد، فسوف تظل العسكرية المصرية هى مدرسة الوطنية بتقاليدها الراسخة، وانتماءها الأول والأخير للشعب، وإذا كانت هناك أخطاء فى الممارسة السياسية فى إدارة المرحلة الانتقالية نقر بها وننتقدها بعنف، لكن ليس من المقبول اختزالَ دورَ القوات المسلحة ومجلسها الأعلى فى الانحياز للثورة وحمايتها فى تلك المواقف.