مثلما بدأت أول مرة، عادت فى عامها الثانى، ثورة يناير البسيطة فى شكلها، القوية فى عنفوانها، تعرف أهدافها أكثر مما تعرف نجوما ركبوا عليها. وتثبت الأيام أن المصريين أكثر حرصا على أهداف ثورتهم وأن من يتوه هذه الثورة ويدخلها فى دهاليز مختلة هم «الأنبياء الكذبة»، كما قال السيد المسيح «يأتونكم فى ثياب الحملان وهم كالذئاب الخاطفة».
خرج المصريون بمئات الآلاف، فى التحرير تلتقى وجوها حميمية تعرفها بصدقها دون أن تكون قد رأيتها فى سيرك الحديث باسم الثورة، تعرفهم بصدقهم وشجاعتهم. لا يخجلون من إبداء خوفهم على الوطن، ولا يزعم أى منهم امتلاك الحقيقة.
فى يناير شارك ملايين فى إسقاط مبارك، وعادوا فى يناير يستكملون أهداف ثورتهم «عيش حرية عدالة اجتماعية»، لا تستطيع أن تفرق فيهم المسلم من المسيحى أو اليسارى من اليمينى، يجمعهم العلم، حتى لو فرقتهم السياسة.. ليس منهم من يلح عليك فى صحوك ومنامك ويطاردك فى كل شاشة ينشر اليأس والتشاؤم، حريصا على صورته أكثر من حرصه على الثورة.
مر يوم 25 يناير بريئاً وهادراً كما بدأ أول مرة، اختفت المخططات المزعومة عن الحرق والتدمير. كانت كل الأطراف تحذر من مخطط، دون أن يعرف أحد «مين اللى بيخطط»، لكن المصريين عندما يخرجون يسقط الخطر، ويعم الأمن، درس يحتاج إلى أن نتفهمه.
تعرفهم وتتعرف عليهم يصدقون الثورة ولا يصدقون المنصات. ولا تخدعهم ألاعيب الفلول الذين يرتدون ملابس الثورة، ولا المزايدون الذين يحرص الواحد منهم على نشر صوره فى المسيرات. وبعد التصوير ينصرفون. أو الذين يريدون الدخول فى صدام يكسبون منه أضواء، حتى لو كان غيرهم يدفع الثمن من حياته ودمه.
فى الميدان وجوه واحدة متفائلة، حتى لو اختلفت الآراء، ميدان الحرية لا يمكن أن يصادرها، حتى هؤلاء الذين يختلفون مع الميدان يجدون لهم مكاناً فيه.
التحرير قام من أجل الحرية والعدالة والمساواة، ولا يمكن أن يكون مكانا للتسلط. الحرية فى الميدان، أما على المنصات فتلمح الفردية والرغبة فى مصادرة الآخرين. من يدعو لتسليم السلطة كلها لرئيس مجلس الشعب، ومن يرفض هذا ويعتبره خلطا للسلطات، لا من يتعجل مخطئ، ولا من يطلب الانتظار متواطئ. طالما بقى الميدان للجميع والثورة للكل بلا تقسيم. وحتى الاختلاف مع من يتحدثون باسم الثورة ليس خلافا مع الثورة، فالوطن أكبر وأعز.
هناك محاولات لتقسيم المصريين إلى حزب ثورة وحزب كنبة بينما الجميع له فى هذه الثورة حيث يبدو «الوطن مفهوم وحلو ويتحضن».ومثلما كانت الثورة مفهومة والوطن واضحا، نختلف حول مستقبله، دون أن نختلف معه. وليس من حق أحد أن يحتكر الحديث باسم الثورة. الكل له فى هذه الثورة بيده أو لسانه أو قلبه، والكل متفائل لأن الشعب المصرى متحضر وعظيم ويستحق ماهو أفضل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة