اليوم الأربعاء 25 يناير، مصر كلها كانت تحتفل بالعيد الأول للثورة، والمسيرات تجوب الشوارع والميادين، وكنت مع زملائى نتابع ما يدور، وفى الساعة الـثالثة وإحدى عشرة دقيقة تلقيت رسالة على هاتفى المحمول وفتحتها بتلقائية شديدة واعتيادية، فهى رسالة من الرسائل الإخبارية للأهرام، وللحظات لم أصدق ما تقرأه عيناى «وفاة الكاتب الصحفى بالأهرام لبيب السباعى وأمين عام المجلس الأعلى للصحافة».
فى تلك اللحظة غابت كل الأصوات من حولى، أصوات الهتافات وصداها، أصوات الزملاء، كل الأصوات بدت كأنها بعيدة وتأتى من عالم آخر، وأخذت أعيد قراءة الخبر مرارا وتكرارا، وأنا أردد: هذا الخبر غير صحيح.. لا، أستاذ لبيب تعبان، وإن شاء الله هيبقى كويس «وهاتفت زميلى محمود موسى بالأهرام لأتأكد منه، وعندما قرأت الرسالة عليه صمت لدقيقة، وقال لى: هاسأل وأرد عليك، بس امبارح اتطمنت إن حالته كانت مستقرة بعد العملية التانية!» وسرعان ماجاء رد محمود: «آه.. رحل لبيب السباعى».
لبيب السباعى لم يكن صحفيا عاديا فى الأهرام يحلم بأن يترقى فى المناصب، من محرر إلى نائب رئيس قسم إلى مدير تحرير ورئيس لتحرير مجلة الشباب، ثم أول رئيس لمجلس إدارة الأهرام بعد الثورة، لم يكن فقط صحفيا وكاتبا طموحا، فقد فجر العديد من القضايا وتعامل على أن التعليم هو قضية مصر الكبرى وأحد همومها، بل كان إنسانا وبنى آدم نادرا فى خلقه وطباعه واختلافاته، كان شديد الرقى، لم أنس اليوم الذى قصدته بدون سابق معرفة فى أن يساعدنى فى أمر يتعلق بمدرسة ابنتى، كيف اهتم وكان يتصل بى كلما حدث جديد.
لم ولن أنسى اليوم الذى قرأ فيه حوارا كنت أجريته فى أول عدد بـ«اليوم السابع» الأسبوعى مع الفنان محمد منير، وفوجئت برقم سويتش الأهرام يتصلون بى: وفوجئت بصوته: أنا لبيب السباعى عايز أقولك إن الحوار من أجمل ما قرأت، ويحمل قدرا كبيرا من الاختلاف، لم أصدق أنه يهتم بالصغير قبل الكبير إلى هذه الدرجة، وأنه كان متابعا ويقرأ لكل الأجيال ويعرف من هم أصحاب الموهبة ويفتش عنهم، وقتها قلت لنفسى قد تكون مجاملة، إلا أننى اكتشفت أنه كان يفعل هذا مع الجميع، حتى بعد أن تولى منصب رئاسة مجلس إدارة الأهرام، لم يغير عاداته، وأبدا لم يكن بعيدا عن الناس، بل لم يكن يتردد فى الرد على تليفونه فى أى وقت ولم يفعلها مرة بأن يعطى تليفونه لمدير مكتبه مثلا ليجيب نيابة عنه، فدائما كان صوته حاضرا.
أستاذ لبيب أذكر جيدا المرات التى زرتك فيها بمكتبك فى مجلة الشباب ومكتبك كرئيس لمجلس الإدارة، ومكتبك بعد أن تركت منصبك، إن ما كنت تحمله معك دائما «المصحف الكريم وصورة ابنيك زياد وشيرين وحكمة موضوعة فى برواز صغير عن فضيلة الاستغناء «وكنت عندما أسألك تقول لى ضاحكا مافيش حاجة بتدوم والأهم أكون بتحرك، أنا خفيف.. ثم تبدأ حديثا جديا عن أهمية العمل بإخلاص وحب الناس وعدم التردد فى مساعدتهم، والقدرة على استيعابهم، هكذا كان وسيظل لبيب السباعى الملاك الحارس لكل من عرفه أو احتاجه.. والكلام لا يكفيك ولا يعطيك حقك ياأستاذ لبيب، فأنت الأستاذ والمعلم بحق.. رحمك الله.