مشهد الملايين التى تدفقت فى مسيرات شوارع القاهرة والمحافظات فى الذكرى الأولى لثورة 25 يناير طرح سؤالا قفز إلى ذهنى عند متابعة هذه الحشود الضخمة من القوى والحركات الثورية والسياسية، وهو: إذا كانت لدينا القدرة والإرادة بهذا الشكل فى الحشد لتسيير المسيرات والمظاهرات فى الاحتفال بالذكرى وتنظيم المليونيات المتكررة للتأكيد على مطالب وأهداف الثورة، فلماذا فقدت تلك القوى القدرة على التعبئة والحشد فى العملية الانتخابية للفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، كأول اختبار عملى للثورة عبر صناديق الانتخابات وانعكاس حقيقى للأوضاع التى فرضت ضرورة التغيير السياسى والاجتماعى والاقتصادى، وأطاحت برأس السلطة ورموزها فى مصر، وإثبات قدرة الثورة والثوار على إحداث التغيير بوسائل شرعية وديمقراطية؟
هل كان هذا خطأ من ضمن أخطاء كثيرة للثورة؟ ولماذا نجحت تجارب ثورية يسارية وتقدمية أخرى فى الوصول للسلطة عبر الوسائل الديمقراطية لتأكيد حقيقة الانتقال من الثورة إلى الدولة؟
هذا السؤال الذى علينا مواجهته، لأن التغيير الذى أحدثته الثورة الشعبية وساهمت فيه بشكل أساسى وفاعل قوى ليبرالية وتقدمية ويسارية قطفت ثماره بالوسائل الديقراطية قوى أخرى كانت الأكثر جهوزية وتنظيما وتواجدا واستعدادا، وبالتالى تشكل البرلمان بغالبية كاسحة لتلك القوى، ولم يكن معبرا عن واقع من قاموا بالحراك والانفجار الثورى الذى حدث.
أين كان الخطأ؟ هل انشغل الثوار بالانتقام والمواجهة وبمطالب طوال العام الماضى ظلت تراوح مكانها دون التفكير فى انتقال الثورة إلى الدولة من أجل تحقيق أهدافها بأيديها؟
هل كان الاستمرار فقط فى «الميدان» هو السبيل والمظهر الوحيد لإثبات نجاح الثورة؟
لقد بقى الثوار فى الميدان وكانت السياسة لـ«الإخوان» فى نهاية المطاف وهذا من حقهم وحق كل القوى السياسية فى التنافس من أجل الوصول للسلطة، فقد غاب التنظيم والإطار السياسى للقوى الثورية القادر على فرز رموزه وقياداته والتواجد فى الشارع الذى كان مهيأ بالتأكيد فى البداية لتصعيد الوجوه الثورية إلى المجلس مثلما حدث مع بعض الرموز التى انتقلت من مربع الثورة إلى مربع الدولة وحققت المعادلة النموذجية فى ذلك.
لا نستطيع القسوة على الحركات الثورية التى كانت - ومازالت - فى حاجة إلى مساحة زمنية كافية لتكوين تنظيماتها السياسية التى سيكون لها بحق دور فاعل فى المستقبل القريب.