عاشرت القاهرة لمدة تزيد عن العشرين عاماً، مشيت فى شوارعها وضواحيها، وشربت من نيلها، وجربت أغنيلها، استمتعت بمقاهيها الكائنة بالقاهرة الخديوية القديمة وبكافيهاتها الحديثة بالمهندسين والزمالك، صليت بجوامعها ودعوت بأضرحتها القديمة والعتيقة، وتسكعت على نواصيها من وسط البلد وجامعة الدول العربية حتى عباس العقاد والمولات الحديثة، قضيت أحلى الأوقات بدور العرض السينمائى بدءا من سلام يا صاحبى عام 1986 بسينما روكسى، وحتى أفلام الـ3d بفندق السلام، ذهبت إلى جميع مسارحها سيرا على الأقدام وقت كانت التذكرة بعشرة جنيهات، وحتى أصبحت بثلاثمائة جنيه، تعلمت القيادة فيها وبالطبع عملت جميع أنواع الحوادث بدءا من كسر الفانوس عند الركن، مرورا بحادثة طفيفة بأحد تقاطعات شارع شهاب، وصولا إلى السقوط من فوق الدائرى، ركبت التروماى أبوسنجة والتاكسى الأبيض فى أسود أبوعداد قديم والأتوبيس الأحمر أبوكمسارى لابس كاكى، وأيضا المترو وتاكسى العاصمة الأصفر والأبيض حاليا، شجعت فى ملاعبها النادى الأهلى والمنتخب باستاد مختار التيتش بالجبلاية واستاد القاهرة والحربية والسلام، سمعت فيها الشمس تجمعنا، وميال، ولولاكى، ولما الشتا يدق البيبان، وأيضا بناديك تعالى وكينج كونج، حبيت فيها الحب الأول وأكلت آيس كريم فى جروبى، وركبت مراكب شراعية وأرسلت فيها SMS وbbm وأكلت سوشى بأفخر المطاعم النيلية اللى على شكل مركب، تجولت فى شوارعها ويدى الصغيرة تتشبث بيد أمى أطال الله فى عمرها واشتريت ملابس العيد من حلاوة بوسط البلد وتشبثت يد ابنتى بيدى وأنا أشترى لها ملابس العيد من كارفور، ولدت فيها أنا وعائلتى جميعا ودَفنت فيها أعز الناس، لعبت فى شوارعها الكرة الشراب، ولعبت على أرضها البلاى ستيشن ثرى، حلمت وتعلمت فيها وعملت بها حققت ما حققت، شاهدت فى رمضانها «الهجان» و«الحلمية» و«الشوان» و«المال والبنون» وأبوالعلا البشرى، وشاهدت فيها مسلسلات الـHd بل عملت بهم سواء كممثل أو ككاتب.
عشرة طويلة بينى وبينها لا تنسى وإحساس غريب يجعلنى أشتاق إليها حتى لو كنت بباريس أو لندن أو جنيف!! على الرغم من الهواء الملوث والتلوث السمعى والبصرى وفوضى المرور وعشوائية كل شىء بالشارع فإننى أشتاق إليها وإلى أهلها الطيبين وعربة الفول أبوزيت حار.
ولكن فى الآونة الأخيرة لاحظت أنها ليست بقاهرتى التى اعتدت عليها، لقد أصبح الغبار يكسوها وكأنها حزينة على حالها التى آلت إليه، حزينة على من يخربونها ويحرقونها ويثيرون الفتن على أرضها، حزينة لدرجة أن معالمها الجميلة والساحرة بدأت تختفى وتختفى معها صفات أبنائها ويتلاشى منها الأمان.. لعل أبرز دليل على هذا الحزن الذى غَيّر من معالمها احتفال رأس السنة والعيدين ورمضان الماضى.. إنها ليست القاهرة التى عاشرتها بل أصبحت مقهورة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة