لا تجادل ولا تناقش فى مسألة بقاء العسكر على كرسى السلطة من عدمه، تلك مسألة فصل فيها التاريخ وحسمتها الذكريات لصالح بقاء العسكر على الجبهات وداخل الثكنات، فالدبابات ياسيدى لا تعرف سوى الدهس والهرس، وهكذا حال راكبيها.. وهكذا أيضا يمكنك أن تلتمس لهم العذر، ويمكنك فى الوقت نفسه ألا تلتمس لهم أى أعذار، فى حالة سعيهم نحو السلطة أو رغبتهم فى البقاء داخل قصور الرئاسة.
بقاء أى رجل يحمل على كتفه نسرا أو دبورة أو سيفين فوق كرسى رئاسة دولة، لمدة يوم أو حتى ساعات أمر محفوف بالمخاطر، حتى لو كنا بحاجة إليه وحتى لو كان بقاؤه فى السلطة هو الحل الوحيد، لأن الأمر هنا يشبه لجوء المريض إلى دواء يذهب عنه الألم سريعا، ولكن تأثيره الجانبى يظل غير مأمون العواقب، دعنى أذكرك بجمال عبدالناصر وروعته وأحلامه وقدرته على القيادة، وأدفعك لأن تكتشف أن مبارك وعصره وفساده كان أحد الآثار الجانبية لحكم عبدالناصر.
لا تأمن بقاء العسكرى ساعة فوق كرسى مدنى، هكذا تقول الحكمة المستخلصة من تجارب أنظمة الحكم العسكرية، ومن تجارب اللواءات الذين فشلوا فى إدارة شؤون محافظات مصر، وجعلوا الفساد هو المادة الخام داخل الأحياء والمحليات والشركات العامة.
طريق الديمقراطية والنهضة الذى نبحث عنه، لا يمر أبدا من داخل وحدات الجيش ولا من أسفل «بيادة» لواء، ولذا تصبح مطالب رحيل العسكر بشكل عاجل منطقية وحقا واجبا للباحثين عن دولة مدنية ديمقراطية، سواء كانوا إسلاميين أو ليبراليين أو يساريين أو حتى «مالهومش فيها»..ولكن تبقى المشكلة الآن فى وضع إجابة بعد علامة استفهام سؤال.. إزاى يرحل المجلس العسكرى؟؟!
أى طريقة لرحيل المجلس العسكرى تبدو مقبولة، وفى حد ذاتها، انتصارا للديمقراطية ومدنية الدولة، ولكن بعض الخيارات المطروحة على الساحة أو أغلبها «مر».. وسبب مرارته أنه يطرح سيناريو الخلاص من العسكرى مصحوبا بآثار جانبية، تهدد فكرة ديمقراطية الدولة ومدنيتها، وربما تعود بالعسكر مرة أخرى لصدارة المشهد عبر طرق جانبية.
أن يطرح الإخوة فى 6 أبريل تسليم السلطة للبرلمان بحجة ألا يكون هناك وصاية للعسكرى على الدستور، دون التفكير فى أن رئيس البرلمان قيادى إخوانى بارز، والبرلمان نفسه تحكمه أغلبية برلمانية إخوانية وإسلامية، أى سوف يتم وصاية العسكرى على جمعية الدستور إلى وصاية تيار واحد فقط، فذلك النوع من التفكير والطرح يؤكد أن صاحبه لم يفكر ولو ثوانى فيما يقوله، أو ربما لا يملك صاحبه سوى مهارة الهتاف والتظاهر والضغط، وهو شىء عظيم.. فقط إن اعترف به وكف عن أن يلعب دورا غير دوره.
الخيار الآخر لتسليم السلطة ظهر من قلب ميدان التحرير ويتكلم عن مجلس انتقالى توافقى، وهو خيار عاطفى وطفولى، ليس فقط لأنه لم يوضح آليات تشكيل المجلس الانتقالى، ولكن لأنه غفل أن المجلس سيضم عضوا عسكريا، أى ستظل القوة داخله للعسكرى الذى يقف خلفه جيش جرار، وستسعى القوى الإسلامية للحصول على تمثيل بداخله يوازى قوتها وأغلبيتها الانتخابية، ويعنى أيضا أن الرؤية المشتركة بين العسكرى والإسلاميين، ستجعل الكفة داخل المجلس الانتقالى فى الوضع نفسه الذى هى عليه الآن، وقبل كل هذا وذاك كيف ستنجح قوى سياسية - فشلت فى التوافق على قوائمها الانتخابية - فى التوافق على مجلس لإدارة شؤون البلاد؟!
الخيار الثالث والذى يبدو أقل مرارة من سابقيه يتحدث عن انتخابات رئاسية مبكرة، ولكن أصحابه وأغلبهم من شباب الثورة والقوى والأحزاب الليبرالية لم يفكر لحظة، هل هو مستعد لهذه الانتخابات؟، هل تستطيع هذه الأحزاب والائتلافات التوافق على مرشح واحد للرئاسة قادر على مواجهة المدعومين إسلاميا أو عسكريا، وهى نفسها القوى التى فشلت فى التوافق على قائمة موحدة فى الانتخابات أو جمع رأيها تحت مظلة حزب واحد؟، ثم يبقى السؤال الأهم هل تملك هذه القوى خطة للحركة فى الشوارع لتغيير هوى الناخب المصرى، الذى منح الإسلاميين فى السباق البرلمانى فوزا ساحقا على التيارات الأخرى؟.
كل ما سبق من كلام لا يعنى أبدا الاستسلام لفكرة بقاء العسكر، ولكنه دعوة إلى التفكير فيما نهتف به، قبل أن نمنح أحبالنا الصوتية الإذن بالصراخ به فى الهواء الطلق، دعوة إلى إعادة تقييم ودراسة وتجهيز عقل الميدان، ليصبح على نفس مستوى قلبه المملوء بالحماس والأحلام.. والإخلاص.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة