فى وسط الأحداث المتتابعة والمعارك والصراعات الطاحنة التى عشناها على مدار عام منذ اندلاع الثورة يراهن بعض بقايا النظام وأزلامه على أن المجتمع المصرى سينسى ثأره مع الفساد والفاسدين، معتمدين على أن الشعب المصرى بطبيعته «نساى» لكنهم لا يعرفون أنه كالجمل يحفظ كل شىء ويعيه ويخزن ما يعرض أمامه من صور وحكايات ويزنها بميزان من ذهب ليبنى وجهات نظره بالتراكم وليس بالانفعال، ومحددا طريقته فى الغضب بعد استنفاد الفرص الممنوحة، ونفاد الرصيد كلية.
يتبع الشعب المصرى طريقتين فى الاعتراض والإعلان عن غضبه، الأولى أسميها «طريقة المطر» يسقط فوق الرؤوس والعيون بهدوء دون صخب، كل قطرة تحمل شكوى، وكل دفقة تحمل إنذارا، لكن إذا لم تفلح تلك الطريقة استبدلها بأخرى، أسميها «طريقة الطوفان» يندفع بقوة فيزيح من أمامه جبال السكون والتبلد، يغسل الأرض ويهلك القرية الظالمة، يجدد شباب الأمة، ويطهرنا مما يقف أمامه من معوقات الإصلاح، ووقتها، ما من سبيل لوقف الطوفان، ولا أمل فى التحايل عليه أو الالتفاف حوله، ومن لا يرضى بالمطر، فعليه أن يستعد لاستقبال الطوفان.
لى بعد هذه المقدمة الطويلة، أن أسأل كل المسؤولين عن «إدارة شؤون البلاد» من الذى فتح السجون وأخرج المساجين الخطرين ليروعوا الشعب المصرى ويئدوا الثورة فى مهدها؟ ولماذا لم يحقق النائب العام فى سرقة المتحف المصرى حتى الآن وقد نشرنا من قبل فى هذه الجريدة اعترافات ضباط الجيش وعساكره التى تؤكد أن بعض عناصر وزارة الداخلية تورطت فى هذه السرقة؟ وأين صناديق الآثار التى قيل إنها وجدت فى فيلا إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة الأسبق؟ وأين صناديق الآثار التى وجدت فى مقار مباحث أمن الدولة وصورها الشباب على تليفوناتهم المحمولة وهى تحمل فى سيارة من أمام مقر أمن الدولة فى السادس من أكتوبر؟ وكيف لم نحاكم المسؤولين عن هذه الكارثة حتى الآن؟ وأين السيد عمر سليمان الذى قال إنه رصد عناصر خارجية جاءت لتخريب البلاد قبل الثامن والعشرين من يناير؟ وكيف لا نحاكمه بتهمة التقصير فى متابعة عمله وعدم القبض على تلك العناصر؟ وهل صحيح أن السجن الحربى فتح أيضا فى ذلك الحين وتم إخراج المساجين منه؟ وأين وثائق ومستندات أمن الدولة التى ترصد علاقات بعض الجماعات والأحزاب بهذا الجهاز المقيت؟
يا أيها السادة فى المجلس العسكرى، يا سيادة النائب العام، يا سيادة وزير الداخلية، يا أيها السادة فى أجهزة الأمن القومى والمخابرات الحربية والعسكرية، يا كل المراقبين والمسؤولين عن أمننا ووطنا، أفيدونا يرحمكم الله، قبل أن يبتلعنا الطوفان.