الثائر إنسان عظيم يضحى بوقته وجهده وماله ونفسه من أجل وطنه.. لا يبخل بالمال حتى وإن كانت به خصاصة ولا يضن بنفسه حتى وإن عزت عليه.. يتحمل الآلام من أجل أمته.. يواجه الطغيان المسلح بصدر عار.
ولكن هل يصلح كل ثائر للحكم؟
هذا هو السؤال المهم الذى ينبغى لنا أن نجيب عنه بصراحة ودون مواربة.. فالثائر عادة فى عمر الشباب تملؤه الحيوية.. يريد التغيير السريع.. لا يؤمن بسنة التدرج وهى سنة كونية من اصطدم بها كسر رأسه ولم تتحطم هذه السنة.. فقد خلق الله السماوات والأرض فى ستة أيام وكان قادراً على خلقها بـ«كن فيكون».. وبعض الثوار يرى أن جيله هم الأحق بالقيادة ويريد تنحية الآخرين بحجة أنهم رمز الاستكانة والضعف.. وهو بذلك يضر وطنه لأنه يلغى تجارب وخبرات الذين عركوا الحياة وعركتهم.
والثائر عالى الهمة ولكنه يعانى من ضعف وأنيميا الخبرة. والثائر يريد أن يهدم الكون ثم يعيد بناءه على طريقته الخاصة.. وقد ينجح فى الهدم ولكنه يفشل فى إعادة بنائه بطريقة أفضل ما لم يستعن بأهل الخبرة. والثائر عادة لا يصبر حتى يحدث الزمن أثره فى تغيير المجتمع.. وقد يعمد إلى الشدة مع معارضيه، وينسى أنه الآن فى سدة الحكم وعليه أن يصبر ويصفح. والثائر قد يلجأ إلى الانتقام ممن ثار عليهم.. ويعتقد أن الانتقام السريع هو الحل الناجح للمشكلات.
وقد أراد أبو ذر الغفارى رضى الله عنه أن يسوى بين الأغنياء والفقراء مخالفاً بذلك قواعد الملكية الفردية المستقرة فى الإسلام.. ناسياً أن الحاكم لا يملك للأغنياء شيئا ماداموا قد اكتسبوا أموالهم من حلال وأنفقوها فى حلال ودفعوا زكاتها.. فإذا فعلوا ذلك فلا سلطان لأحد عليهم. ولهذا رفض عثمان بن عفان رأيه، فقال: سأعتزل الناس وأذهب إلى الربذة.. فوافقه عثمان.
وقد قرأ رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بعبقريته شخصية أبى ذر رضى الله عنه حينما سأله عن الإمارة فقال له: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة».
أما الضعف هنا فهو الضعف الإدارى والقيادى والسياسى والاستراتيجى وقراءة الواقع.. وليس ضعف الإيمان.. فقد كان أبو ذر قمة شامخة فى الإيمان.
وإذا استعرضنا التاريخ وجدنا أن القذافى كان ثائراً، فلما تولى الحكم قاد ليبيا بالجنون والسفه والسوط والسيف والقتل والسجون والمعتقلات. وصدام حسين كان ثائراً قوياً يضرب به المثل فى الجلد والعزم والحزم.. حتى إنه كان يخرج الرصاص من جسده دون مخدر.. فلما تولى الحكم قصف شعبه بالغازات الحربية المحرمة فى الحروب.
وعبدالناصر رغم حسناته العظيمة وعفة يده إلا أنه ألغى التعددية الحزبية والديمقراطية. أما ماوتسى كونج فقد أقام دولة قوية فى الصين.. ولكنه أقامها بالحديد والنار والقهر والتصفية الجسدية وإلغاء هويات وأديان الآخرين. فالله لا يعجّل لعجلة أحد، فالإنسان عجول.. وأكثر طائفة متعجلة من البشر هم الثوار. وقد ثرنا على السادات وأنهينا حكمه.. وبعد سنوات من اعتقالى وصلت إلى حقيقة مهمة مفادها: «أننا لم نكن مهيئين وقتها للحكم.. وأنه من رحمة الله بنا أننا لم نصل يومها إليه».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة