يشدد المجلس العسكرى فى اجتماعاته مع الحكومة دائما على أهمية أن يبث الوزراء فى الناس روح التفاؤل، يحفظ الوزراء كلمات يلوكونها بلا مبرر، يقول لهم: قولوا للناس إننا مقبلون على أيام هنية، وصباحات ندية، وقولوا إن النظام القديم قد سقط، وتغنوا بحالة الديمقراطية والحرية والطوابير والصناديق والبغددة القادمة، وطبعا من المؤكد أن وزارة الإعلام بقيادة الجنرال أحمد أنيس هى التى ستقوم بدور رأس الحربة فى إشاعة هذا التوجه وتدعيمه، إذ لا يملك سيادة اللواء بعد أى قرار عسكرى إلا القول: تمام يا أفندم.
لست ضد التفاؤل، لكن ما أجده غير مستساغ هو أن هذه الجرعات المتتالية من الاجبار على التفاؤل مازالت قابعة على صفحات الجرائد وبيانات الحكومة ولم تمتد إلى الشارع ليشعر بها الناس، وأنها أتت بعد أيام عجاف وتنشيف ريق وترويع متعمد للناس بهدف تبشيع الثورة وتكريه الناس فيها، ولست أعرف –على سبيل المثال– كيف يترك المجلس العسكرى حكومة شرف بأكملها كل هذا الوقت ويدعمها بكل ما أوتى من قوة، ثم يأتى بحكومة جديدة تحت ضغط أيام اشتباكات محمد محمود التى راح ضحيتها عشرات الشهداء، ثم يتظاهر بأنه الفاعل المجدد لدماء الدولة؟
الحيرة تزداد والأخماس تضرب فى الأسداس إن قارنا الأوامر السرية للمجلس العسكرى بالتفاؤل، فى حين يمضى مسلسل الترويع بقيادة وزارة الداخلية على قدم وساق، عبر الترويج لسيناريوهات إحراق مصر، ورصد العناصر الخارجة والداخلة والحصول على الخطط السرية للمخططات المخططة، دونما أن تظهر لنا أمارة واحدة على كلامها، وتقوم بواجبها بالقبض على المتهمين والتحقيق معهم وتقديمهم للمحاكمة، وهذا بالمناسبة هو واجب الداخلية الأول، وكان نتيجة هذا هروب العديد من المستثمرين، والتراجع عن مخططات الاستثمار المستقبلية التى اعتزم رجال الأعمال البدء فى تنفيذها.
كنت أتمنى أن أستقبل هذه الدعوة للتفاؤل بإيجابية، لكن من أين تأتى هذه الإيجابية وأنا أعرف أن مجلسنا الموقر لم يبادر بفعل أى شىء من تلقاء نفسه، وأن الود وده أن يبقى كل شىء على ما هو عليه، لذا اعتبرت هذا الأمر العسكرى -بالتفاؤل- أشبه بمغتصب يطلب من ضحيته الابتسام وهو ينتهكها، لكنى والحق يقال، لم أكن منتظرا أمرا علويا بالتفاؤل بالمستقبل، فأنا فى غاية التفاؤل، لكن أسبابى مختلفة عن أسباب المجلس، ومبعث تفاؤلى هو أننا كما قال شاعرنا الكبير أحمد فؤاد نجم «دقت ساعتنا والتقينا»، ولأننا صنعنا التاريخ وأننا من سنكتبه، وأنه مازال فى عرق مصر دماء، وفى ميادينها أوفياء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة