جلست فى حالة ملل.. أمسك بالريموت.. أتنقل بين محطات التليفزيون، علنى أجد فيلما أسود وأبيض لإسماعيل ياسين أو مارى منيب أو الاثنين معا لو كان رزقى كبيرا، ولكن فجأة والريموت ينتقل من محطة إلى أخرى تسمرت يداى أمام شاشة عليها وجه أعرفه فانتظرت للحظات أسمع حديثه الذى كان حماسياً عن الفساد فى زمن مضى، وكيف كان معارضاً، وكيف أنه رجل لديه منظومة كاملة لإصلاح التعليم، وراح الرجل يسرد عن ثوريته وتاريخه الوطنى فى محاربة الفساد.. فركت عينى لعل ذاكرتى البصرية أخطأت، وذاك الذى يتحدث هو رجل غير من تصورت، ولكنى تأكدت حينما قرأت اسمه على شريط على الشاشة فتأكدت أن بصرى لم يزغ ولكن عقلى هو الذى يكاد أن يزيغ واستعدت حكايتى مع هذا الرجل.
منذ حوالى أربعة أعوام كنت أعد برنامج الكمين للتليفزيون، وكانت تعتمد فكرته على استضافة مسؤول فى الدولة يقابله إما صحفى يكتب فى ذات المجال أو أحد العاملين فى نفس المجال الذى يديره المسؤول، وكان ضيف الحلقة هو الدكتور يسرى الجمل، وزير التربية والتعليم، وكان مقرراً أن يكون الأستاذ لبيب السباعى هو الضيف المقابل له، ولكن الأستاذ لبيب اتصل بى ليلة التسجيل معتذراً عن الحضور لظرف طارئ ووقعت فى ورطة كبيرة، فالتسجيل بعد ساعات ولم يسعفنى عقلى فى البحث عن ضيف بديل للسباعى المتخصص فى مجال التعليم، فلجأت لأحد الزملاء عله يساعدنى فى التفكير فى شخص مناسب لمواجهة وزير التعليم.
وبالفعل اقترح الزميل علىّ اسم رجل لا يعرفه ولكنه يقرأ له مقالات كثيرة فى صحف مختلفة يتحدث فيها عن قضايا التعليم وهو يعمل فى جهة تابعة لوزارة التربية والتعليم، وبالفعل اتصلت بالخبير التربوى، كما يقدم نفسه، وعرضت عليه فكرة البرنامج، وسألته: ألا تخاف مواجهة وزير تعمل تحت قيادته؟ فقال لى كلاماً رائعا عن الحق ومواجهة الفساد، وأن ما بقى من العمر لا يسمح بالكذب بل راح يحكى لى عن نضاله فى الماضى، فقلت فى نفسى وله بصوت عال: والله لسه مصر فيها رجالة. وحضر الرجل إلى الاستوديو فى اليوم التالى، وأنا أكاد أكلل رأسه بتاج الشجاعة والقدرة على المواجهة فهو سيقول للغولة عينيك حمرا.
ودخل الوزير دون أن يعرف الضيف المواجه له كشرط البرنامج، وأنا أفرك يدى سعادة، وقدمت الضيف ليجلس، ولاحظت أن نظرته التى كانت قوية لى وهو يحكى عن فساد التعليم انكسرت قليلاً أثناء سلامه على الوزير، ولكنى قلت لأ دى بس تهيؤات، ثم بدأت الحلقة وأنا فى الكنترول أشاهد وبدأت المذيعة كما اتفقنا، ولكن ضيفى الخبير التربوى منحنا مفاجأة العمر، فقد راح يعدد مثالب الوزير ومحاسنه، وأنا ألطم وأقول الضيف طلع.. وحتى حين بدأت أطلب من المذيعة أن تواجهه بما كان يقول ويكتب صار ينفى ويؤكد، وانتهى نصف الساعة التسجيل كأنها دهر على قلبى وأنا أردد عبارة واحدة يا خسارة على الرجالة يا مصر، هذه هى حكاية ذكر اسمه..... يجلس الآن أمام الكاميرات يحكى عن معارضته الفساد وشجاعته فى زمن نظن أنه فات لكن لسه فى ديله سبع لفات.