إن كنت من هواه قراءة التاريخ وعشاقه، فإنى أدعوك لحذف مشهد شهير ظل قابعا فى أذهان الناس على مدى ما يقرب من خمسة عشر قرنا، فقد بدأنا فى كتابة تاريخ مواز لتاريخنا، لم نستفد من أخطاء الماضى، فكان لابد من تكرارها حتى يتعلم كل واحد عن طريق التجربة والخطأ، لا عن طريق الاحتكام للعقل ودراسات الجدوى، تخلص من مشهد رفع السيوف على أسنة الرماح فى معركة صفين الواقعة بين جيش الإمام على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان سنة 37 هجرية، تخلص من أكبر شواهد الفتنة فى عصر الإسلام الأول، ها نحن على مقربة من إعادة السيناريو، بعد عصور طويلة، ودماء مهدرة.
لم يجد جيش الشام الذى كان يقوده معاوية بن أبى سفيان غير حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح فى معركة صفين حينما تأكد من أن الهزيمة من نصيبه، فأمر عمرو بن العاص جنوده بفعل هذه الخدعة التى يحاول البعض إنكارها الآن برغم إجماع كل مؤرخى هذا العصر على حدوثها، وتعتبر هذه «الفعلة» أكبر شاهد على خطورة خلط الدين بالسياسة، وأرى أن ذات الأجواء تعاد مرة أخرى، وما الاشتباكات التى وقعت أمس الأول بين السلفيين والإخوان فى ملوى أثناء سير انتخابات المرحلة الثالثة والتى وصلت إلى استخدام «السنج» وتبادل فيها الطرفان الشتائم التى وصلت إلى «سب الدين» كما أكدت الحملة الوطنية لمراقبة الانتخابات، إلا مؤشرا خطيرا على تكرار واقعة رفع المصاحف، ولكن طبقا لمتغيرات العصر واندثار الرماح، سيتم رفعها على أسنة السنج.
لا أتمنى بأى حال من الأحوال أن يتكرر هذا المشهد، لكن من غير المعقول أن أرى النار مشتعلة والحطب جافا والرياح مواتية، وأتعامى عن النتيجة المنطقية لكل هذه الملابسات وهى اشتعال النيران عاجلا أم آجلا، من غير المنطقى أيضا ألا أصرخ منبها إخواننا من الإسلاميين سواء كانوا سلفيين أو إخوان مسلمين لا تشعلوا النيران فيما بينكم، فإنها إن بدأت بكم لن تقف عندكم، وسيضطرب بها المجتمع أشد اضطراب.
ما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن احتدام المعارك لم يقتصر بين السلفيين والإخوان، وارتكبت أطراف أخرى مثل المصريين الأحرار والوفد وغيرهم مخالفات مشابهة، لكن اشتباكات الإسلاميين فيما بينهم تظل دائما الأشد خطورة، لأن الطرفين يدعون أنهما يمثلان شرع الله، وهو بالضرورة ما يستدعى إلى الذهن أجواء الفتن الحارقة، حفظنا الله منها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة