لم يذنب نقيب الممثلين، أشرف عبد الغفور، عندما زار مرشد الإخوان، الدكتور محمد بديع، فى مكتبه ليتحاور معه حول الفن وأهله، لم يتجاوز الحدود المهنية، وإنما تحرك بدافع مهنيته التى يحفظ قدرها وقيمتها، ويعلم أنها فى مهب الريح، أراد عبد الغفور أن يستبق الزمن ويدخل فى حوار مع من سيمتلكون قوة الأغلبية ويسيطرون على القرار فى البرلمان، فضّل ألا ينتظر مثل آخرين حتى يفاجأ بالطوفان على عتبة الدار، وإنما بحس الفنان راح يطرق الأبواب ليناقش ويعرف كيف ينظر القادمون للفن.. هل هم أعداء أم أصحاب فكر؟ هل يضمرون الشر لأهل الفن أم يبحثون عن الرقى؟.
قبل عامين كان الفنانون يتسابقون فى طرق أبواب الحزب الوطنى المنحل، يتسولون منه مجرد لجنة ثقافية أو فنية داخل أمانة السياسات كى تناقش قضاياهم وتهتم بشئونهم، وانحل الوطنى دون أن يلبى للفنانين مطلبهم، وجاء الإخوان ليتولوا مقاليد الأغلبية، وليس من المعقول أن يلتزم الفنانون الصمت حتى تقع الواقعة، لو صمت عبد الغفور لكان مذنباًَ فى حق من انتخبوه، فتحركه ربما جنّب الفنانين صداماً كان على الأبواب، أراحهم من جدل ومواجهات فكرية وثقافية ربما كانت ستمتد لسنوات.
زيارة عبد الغفور لمكتب الإرشاد تحسب فى ميزان حسناته النقابية، لأنه اخترق الحاجز الوهمى، وأغلق الطريق على صناع الفتن، وكسر المانع السياسى ليبنى جسوراًَ من التفاهم مع جماعة كان الفنانون مرعوبين من حكمها، خرج عبد الغفور فائزاً من اللقاء الذى وضع نقاطاً كثيرة على حروف كانت مصمتة، فتح باباً ظن الكثيرون أنه مغلق بالضبة والمفتاح أمام الفنانين، تأكد أن الجماعة، ومن خلفها حزبها السياسى، لا تكره الفن ولا تحرمه ولا تنوى تحجيب السينما ولا تأثيمها.
عبد الغفور لم يذهب إلى مقر المرشد راكعاًَ ولم يجلس تلميذاً لتملى عليه شروط، وإنما جلس متحاوراً يناقش ويرد، يطرح الأسئلة ويتلقى الإجابات، فكر بفكر ومنطق بمنطق فى حوار كان ختامه تلقى النقيب هدية الجماعة نسخة من كتاب سيد قطب "التصوير الفنى فى القرآن"، ولو كان اللقاء سلبياً لما انتهى بتلك الهدية التى تكشف احترام الإخوان للفن الراقى والإبداع الهادف.
كان يكفى المرشد أن يسلم عبد الغفور درع الجماعة أو شعارها أو المصحف الشريف، لكنه أراد أن يخرج اللقاء برسالة طمأنة ربما تذيب جبال الثلج المصنوعة بين الجماعة وأهل الفن، أراد أن يخاطب كل المصريين، من خلال لقاء نقيب الممثلين، ويقول لهم إن الجماعة ليست خصماً للفن ولا كارهة للإبداع ولا رافضة للسينما، ولكن لكل مهنة أصول لابد أن يجرى عليها حوار للالتقاء وليس للقتال.
ربما كان ينقص الجماعة أن تعيد طبع كتاب سيد قطب لتوزعه، ولو مجاناً، ليطلع عليه الجميع ويروا ما فيه من فكر عن الفن كى يتفقوا معه أو يختلفوا، وربما كان ينقص عبد الغفور أن يضع كل ما جرى فى اللقاء أمام مجلس نقابته وشيوخ الفن ليتفهموا طبيعة ما جرى، لكن فى النهاية الخطوة جريئة وتحسب للطرفين، لأنها تصب فى مصلحة الحوار، الذى ننادى به ليكون دستور دولتنا الجديدة، ونتمنى لو اتسع هذا الحوار ليشمل كل التيارات والمهن، مثل أهل السياحة والرياضة والإعلام ورجال الدين والسلفيين، ولو فتح باب الحوار الحقيقى والهادئ بعيداً عن المزايدات السياسية وانصب على موضوعات حقيقية مثلما حدث بين عبد الغفور وبديع لانتهت أزمات عديدة، وزالت حواجز كثيرة، مما كان يظن البعض أنها صلبة لا تنكسر ولا تلين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة