على عكس ما يتصور البعض فإن المؤمنين يمكنهم التعايش معاً حتى مع اختلاف العقائد أكثر من مدعى الإيمان أو أصحاب الإيمان الشكلى. الإيمان يصنع التسامح، والتعصب يصنع الفرقة، ويقود إلى إيمان شكلى فيه من النفاق أكثر مما به من الإيمان.
ولعل درس ثورة يناير هو أكبر دليل على الإيمان بوصفه الطريق للنجاح. فقد كانت المظاهرات من البداية يقوم بها مؤمنون وعندما توحد ميدان التحرير كان الإيمان هو الذى يوحد مشاعر المصريين بشكل يصعب فيه التمييز بينهم، وتلك اللحظات كانت ذروة الثورة ونجاحها، قبل أن تصيبها أمراض التسييس والغرور والذاتية والانتفاخ الثورى لدى البعض، وهو لا يختلف فى السياسة كثيراً عن الانتفاخ العقائدى. حيث يظن الشخص أنه أفضل لمجرد أنه مسلم أو مسيحى أو ينتمى لهذا التيار أو ذاك، بينما الأفضلية هى للأكثر قدرة على الابتكار ومواجهة الأسئلة الحقيقية.
والدليل أن التعصب يولد الفرقة والنفاق، إن الخلاف فى السياسة يتطرق إلى خلاف عقائدى، فترى أصحاب المرجعيات الدينية يعارضون مسلمين لمجرد أنهم يحملون رؤى وأفكارا حول مدنية الدولة. وترى أصحاب بعض المرجعيات السياسية الأيديولوجية يلجأون إلى التكفير السياسى، والتشكيك، ويفتقدون التسامح. بينما فكرة الوطنية كانت الأكثر وضوحاً ونجاحاً فى دعم ونجاح الثورة التى غيرت النظام.
لقد جمع الإيمان كل من شاركوا فى الثورة بقدرتهم على تغيير النظام ولو كان كلا من المسلم والمسيحى فكر بأنانية العقيدة ربما ما خرجوا معاً ليشاركوا من دون أسئلة. وكانت أهداف المصريين تتركز حول الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، وهى الدافع وراء الخروج الكثيف الذى لم يتكرر بنفس الوحدة ولعب جزءاً فى تشتيت مجهودات المصريين حتى الآن.
لقد ساهم المؤمنون المصريون فى نجاح الثورة، بينما ساهمت الأنانية فى عرقلة الجهود، والأنانية ليست فقط دينية لكنها سياسية أيضاً حيث يظن كل طرف أنه وحده الذى يمتلك الحل أو الخبرة الثورية والسياسية، بينما الأمر يحتاج إلى درجة من التوافق والاعتقاد بأن اختلاف وجهات النظر أمر طبيعى وأنه لا يمكن إرضاء كل الأطراف. الاختلاف حق وطبيعى ويحتاج درجة من التسامح لم تعد متوفرة كثيراً. والرهان على المؤمنين الحقيقيين فى استعادة العلاقة الطبيعية بين المصريين، وليس بين المسلمين والمسيحيين فقط، لأن الشرخ ليس طائفيا فقط لكن الطائفية تقوم بين أصحاب الدين الواحد بسبب الاختلاف فى الرؤية والطريقة والمعتقدات السياسية. لنجد التكفير الدينى والسياسى ومن الصعب الفصل بينهما.
لقد كانت الوحدة الوطنية قوية عندما كان المؤمنون دينياً ووطنياً فى المقدمة، وليس المنافقون ودعاة الاعتقادات الشكلية. ونتحدث كثيراً عن الديمقراطية والاختلافات من دون أن نبدى استعداداً لممارستها بين الدول الديمقراطية فعلا التى تمارس الديمقراطية بينما نحن نتكلمها.