إن كنا فى دولة قانون حقا، فيجب أن نحاكم كل من تسول له نفسه اختراق هذا القانون وامتهان قيمة الالتزام به، مهما علا شأنه إن كثر أتباعه، لكن ما يحدث الآن يثير الكثير من علامات الاستفهام، حول موقف الدولة من التيارات السياسية والشعبية، ففى الوقت الذى أصدر قاضى التحقيق أمرا بالقبض على الناشط أحمد دومة عضو حركة 6 أبريل، متهما إياه باختراق القانون والتعدى على منشآت الدولة، بعد اعترافه ببرنامج الحقيقة مع الإعلامى وائل الإبراشى بالقيام بذلك، لم يحرك القضاء ساكنا بعدما أفتى الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية، والذى يعد المرجعية الشرعية لحزب النور، بجواز اختراق الصمت الانتخابى واستخدام الدعاية الانتخابية لحزب النور قبل الانتخابات مباشرة، وذلك كما هو مثبت على موقع صوت السلف الإلكترونى.
يبرر برهامى دعوته لاختراق الصمت الانتخابى وانتهاك القانون بقوله، إن الدين النصيحة، أى أن الشيخ جعل من نفسه مرجعية تعلو فوق القانون ولا تلتزم به، مميزا حزب النور بخاصية انتهاك القانون دون غيره من الأحزاب، فمن وجهة نظره فإن حزب النور هو الهدى بينما كل الأحزاب الأخرى ضلال، وبالتالى ما يجوز فعله من أجل دفع الناس للتصويت لحزب النور، لا يجوز مع بقية الأحزاب، وتقول القاعدة القانونية إن «المحرض على شىء كفاعله» وبذلك يكون الشيخ «برهامى» ارتكب تهمة التحريض على انتهاك القانون.
ولم يخترق برهامى قانون الانتخابات فقط، فالجزء الثانى من تصريحاته يقع تحت بند ازدراء الأديان، فقد برر الشيخ فتواه بعدم جواز تهنئة المسلمين للمسيحيين بالأعياد قائلا: «إن أعياد المشركين لا يجوز شهودها ولا المعاونة على إقامتها، لأنها مرتبطة بعقيدة فاسدة كميلاد الرب، أو قيامته من الموت بعد صلبه» أى أنه اتهم الإخوة المسيحيين بأن عقيدتهم فاسدة، وبالطبع لن يرضى أحدا إن قال أحد المسيحيين إن الإسلام «عقيدة فاسدة» وهو الشىء الذى يجلب التناحر على المجتمع وهو ما ضبطه قانون العقوبات الذى جرم كل من يحتقر دينا أو يقلل من شأنه، بما يهدد الوحدة الوطنية ففى المادة 98 من قانون العقوبات، تجريم من يحقر من شأن الأديان السماوية، أو الطوائف المنتمية إليها ويضر بالوحدة الوطنية، وهو ما يتحقق فى تصريحات برهامى وفتواه، ومرت أيام ولم يحرك أحد ساكنا، رغم أن دعوة برهامى لاختراق القانون تم نشرها فى العديد من الصحف، ولم يتبرأ منها أو ينكرها، وأن القانون يبيح للنائب العام مساءلة ومحاكمة من يخترق القانون مادامت التهمة ثابتة عليه، فى مفارقة تضع الدولة فى امتحان حقيقى، ما بين تطبيق القانون وسيادته على ناس، والسماح بانتهاكه ودهسه تحت الأقدام من جانب آخرين.