كرم جبر

المسلمون والأقباط.. سواسية فى الهموم !

الخميس، 11 أكتوبر 2012 03:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يجب أن نعترف بأن أقباط مصر يشعرون بالخوف من التيارات المتطرفة، ولكن المسلمين - أيضا - يراودهم نفس الخوف، من مدّعين يتمسحون بالدين ولا يعلم أحد من أين جاءوا، وتنطلق ألسنتهم كالمدفعية الثقيلة بفتاوى شاذة وغريبة، وغارقة فى التخلف والرجعية والتشدد، تمزق النسيج الاجتماعى المتماسك، وتفتت ما تبقى من الوحدة الوطنية. أقباط مصر يقتسمون الخوف مع إخوانهم المسلمين، من حراس الدين الجدد، الذين ينطلقون فى الشوارع بثيابهم الرثة ولحاهم الكثيفة، بزعم تطبيق شرع الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكأنهم دولة داخل الدولة، ولكن شرورهم تهدد الجميع، فكما قتلوا طالب الهندسة المسلم فى السويس، قطعوا أذن مواطن قبطى فى قنا، وهم الذين يهدمون الأضرحة، ويحرقون الإنجيل ومعظمهم غير متعلمين ولم يدرسوا فى الأزهر أو فى معهد دينى، ويأخذون الفتوى بالذراع والفتونة والبلطجة وتخويف الناس.

أقباط مصر يشتركون مع إخوانهم المسلمين فى «الهم العام».. وبجانب ذلك لهم همومهم الخاصة، وآخرها التهجير الإجبارى الذى تعرضت له بعض الأسر المسيحية فى رفح، ولولا تحرك الدولة الحاسم والسريع لإعادتهم إلى ديارهم وتوفير الحماية لهم، لأصبحت فضيحتنا بجلاجل بين الدول والشعوب، فليس معقولا ولا مقبولا أن يتم تهجير الأقباط من ديارهم، كلما دب نزاع مع مواطنيهم المسلمين، وعندما تستعيد الدولة هيبتها ويسترد القانون قوته، فلا مسلم ولا مسيحى بل مصرى له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات.

أقباط مصر لهم «هموم خاصة»، ولا يشعر بالنار إلا من يكابدها، ونارهم لم تشتعل فجأة بعد الثورة، ولكنها متوارثة وقديمة ومتراكمة ومتشعبة ومتغلغلة، ونتيجة لإهمالها لسنوات طويلة أصبحت مثل الجرح الغائر المتقيح الذى ينز صديداً من حين لآخر، وشكاواهم مزمنة من بناء الكنائس حتى أسلمة القاصرات، ومن الحرمان من الوظائف القيادية حتى اختفاء البنات، مروراً بالتصرفات المعادية لهم من بعض المتشددين، خصوصاً فى قرى الصعيد، وظلت هذه الندوب الصغيرة تكبر حتى أصبحت جرحاً غائرا، وأُزهقت روح الوحدة الوطنية التى كانت تحمى عنصرى الأمة فى الشدائد والأزمات، ونجح المتشددون من الجانبين فيما فشل فيه الأعداء والمستعمرون، من نشر الفرقة والفتن والتشرذم والعداوة والقطيعة، ولم يعد المصريون ذلك الشعب الذى لا تعرف فيه الفرق بين المسلم والمسيحى، فالمسلم يتباهى الآن بلحيته والمسيحى بصليبه، والمتشددون من الجانبين هم الزعماء والأبطال وأصحاب الشعبية.

بنو وطنى لا يلجأون الآن إلى الدولة المصرية اقتضاءً للحقوق وارتضاءًً بالقضاء، ولكنهم يعتصمون بالمساجد والكنائس، بعضهم يهتف «بالروح بالدم نفديك يا إسلام» وبعضهم «نفديك يا صليب»، ولا نسمع أبداً «نفديك يا مصر»، وظهر المشايخ المتطرفون والقساوسة المتشنجون على مسرح الأحداث يفجرون الأزمات ويعبثون بالمقدرات، واختفت الدولة والأحزاب والسياسيون والمفكرون والعقلاء، وأصبحوا مثل الكومبارس الذى يكتفى بدور ثانوى فى قصة الوطن والفتن. بالطبع لم يعد للمؤسسات الدينية الرسمية مفعول أو تأثير، وأصبح الناس يشعرون بالامتعاض، كلما رأوا شيخاً يعانق قسيساً لإطفاء النيران، فلا للأزهر ولا للكنيسة نفس المكانة من الهيبة والاحترام، وحل محلهما «رجال دين الظل» الأكثر تأثيراً وهيمنة وسيطرة على أتباعهم ومريديهم، واختفت الوسطية والاعتدال وروح التسامح والمحبة والإيخاء، وأدار الهلال والصليب ظهورهما لبعضهما البعض، وأصبح الوطن فى أمس الحاجة إلى عقد اجتماعى جديد، يحفظ وحدته ويمنع عِقده من الانفراط.لابد من فتح كل الجروح وإخراج القيح وتطهيرها حتى تندمل دون صديد أو تقيحات، وأن يكون الدواء هو «بلسم مصر» التى تضم كل أبنائها تحت جناحها دون تفرقة أو تصنيف، وكيف نفرق بين أبناء وطن واحد يقتسمون هواءها وماءها ولقمة العيش، وهمومهم وآلامهم وأوجاعهم ومشاكلهم واحدة، والأديان كانت من أسباب وحدتهم وليس تفرقهم.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة