صحيح أنها حالة فردية، ولكن ما الذى أوصل طالبة كلية الإعلام "18 سنة"، للوقوف أمام النيابة بجرأة وتبجح، وتقول إنها تؤمن بالإلحاد ولا تعترف بالأديان، وأن الزنا شىء طيب وحلال، والخمر شىء محبب وصحى ومُحلل فى الآخرة، وغير ذلك من الاعترافات الصادمة التى جعلت رئيس النيابة يوجه لها اتهامات بازدراء الأديان، والإساءة إلى الإسلام وإنكار وجود الذات الإلهية، ويأمر بحبسها أربعة أيام ، تمهيداً لتقديمها للمحاكمة؟
حالة فردية ولكنها تدعو إلى الانزعاج الشديد، فالأم صيدلانية ميسورة الحال ماديا وثقافيا ولا تعانى الفقر والاحتياج والعوز، والأسرة تعيش فى فاقوس ومعروف عن الشراقوة التدين والجدعنة والتمسك بالقيم، أما صديق الطالبة الذى حُبس معها فيتشابه معها فى معظم الظروف، مما سهل مهمّة الشيطان فى غزو عقول مهتزة وقلوب ضعيفة، والسير بهما فى طريق ليس له نهاية إلا الدمارالضياع والخسران.
لا يمكن تبرئة الأم ولا الأسرة من هذه المأساة، عندما يتركون أولادهم فى سن حرجة للسوء وأصدقاء السوء، متصورين أن توفير الاحتياجات المادية هى كل مهمتهم فى الحياة، كالأب الذى يسافر إلى الخليج تاركا زوجته وأولاده، وعندما يعود لا يجد زوجته ولا أولاده فيضيع نصف عمره فى الغربة والنصف الآخر فى الندم، وكثير من الأسر تعانى من الهجرة داخل بلدهم، لانشغال الأب والأم فى الجرى وراء لقمة العيش طوال اليوم، ويعودون إلى بيوتهم أجساداً منهكة تحلم بغيبوبة النوم.
ربما تكون الظروف التى تعيشها طالبة كلية الإعلام الملحدة هى نفس الظروف التى يعيشها ملايين الشباب وربما أسوأ، ولكنهم لم يلحدوا ولم يحللوا الزنا والخمر، بل كانت أحوالهم المعيشية الصعبة هى الدافع للمثابرة والاجتهاد والنجاح فى الحياة، وبالتالى لا يمكن أن نلتمس لها أو لصديقها الأعذار، وفى نفس الوقت لا يمكن أن نضع رقبيتهما على المقصلة، قبل أن نتوصل إلى الأسباب والدوافع الحقيقية التى أدت إلى هذه النهاية المأساوية.
زمان كان فى مصر محراب عظيم اسمه المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، لم يترك أى عرض أو مرض اجتماعى، إلا وأخضعه للدراسة العلمية وأتبعه بالتشخيص والتحليل والعلاج، وكان رئيسه العظيم الدكتور أحمد خليفة رحمه الله مهموما بالشباب وقضاياهم ومشاكلهم وأوجاعهم، خصوصا مشكلة الاغتراب التى تفصل روح الشباب عن وطنهم، وتجعلهم يعيشون فيه بأجسادهم فقط، وما أحوجنا اليوم لاستعادة روح هذا المركز، لإعادة اكتشاف المناطق الهشة فى أعماق الشباب، وتسليط الضوء عليها.
أسهل شىء هو أن يطالب البعض بإعدام تلك الطالبة وصديقها فى ميدان عام، وأن تُعلق جثتيهما فوق شجرتين، وأن يتبارى أصحاب العفة والفضيلة فى رجمهما بعد الموت بأبشع الأوصاف، ولكن الحل الصعب هو الاعتراف والمواجهة، الاعتراف بمسئولية الأسرة أولا والمجتمع ثانيا عن حالة التردى الشديد التى يعيشها شبابنا، والمواجهة الحاسمة للفكر الخاطئ بالحوار والعقل والموعظة الحسنة، وليس بالجلاد والسيف والكرباج.