أصعب ما حدث فى الأيام الفائتة، أن تجد نفسك مضطرا لأن تقف مع شخص لا تحبه أمام أشخاص كنت تحبهم وتجلهم، من كان يصدق أن النائب العام عبد المجيد محمود أصبح عنوانا لاستقلال القضاء؟، وفى مواجهة من؟: مكى ومكى والغريانى؟
العريان وحجازى وغزلان والبلتاجى (صاحب أغرب ابتسامة فى التاريخ)، أربعة رجال يعبرون بصدق عن مصر أخرى غير التى نعرفها وقرأنا عنها، وعن نظام جديد لا يوجد له «كتالوج»، وعن مهنة جديدة غير مدرجة ضمن المهن التى تطاردها الضرائب، الأربعة يثقون فى أصواتهم بشكل يثير الإعجاب، ويعتقدون، وهم يتحدثون أن الشعب فى جيوبهم، هم أبطال فيلم الخيال العلمى الجديد الذى بدأ تصويره فى التحرير الجمعة، ويتم التحضير له منذ أكثر من عام، والذى لم يختر له سيف عبدالفتاح اسما «مجتمعيا» بعد، ولكن الاسم المقترح «ما بعد الضياع».. مازال صالحا.
الفرق بين الرجل أبو جلابية «بتاع ماتش المحلة» والرجل أبو جلابية «بتاع منصة التحرير»، أن الأول كان نحيفا، وجرى فى الملعب وفى يده «عصايه»، وربما كان مسطولا ووجد نفسه لأول مرة فى حياته فى ملعب قانونى ووسط جماهير، وربما ـ كما قالوا ـ من بتوع الطرف الثالث، أما الثانى فهو ممتلئ وملتح ويشاهد مع الأطفال قنوات المصارعة، وتعامل بحماس وجدية مع «سماعات» المنصة باعتبارها من الكفار، وقضى عليها بشجاعة وبسالة ورجولة، ومن الصعب أن يتهمه أحد بأنه طرف ثالث.
فى الأزمات المعقدة تختفى الأصوات «اليومية» التى تقطر حكمة وحرصا على الوطن والشعب والثورة، انتظارا لمداخل جديدة بعد ظهور بوادر للحل، معظم هؤلاء هم ضيوف الفضائيات وكتاب الأعمدة الذين يحصلون على مبالغ فلكية من صحف لا تهدف إلى الربح، وتظهر أصوات أخرى كان بعضها سببا فى الأزمة الأم، مثل صوت فضيلة المستشار طارق البشرى رئيس لجنة التعديلات الدستورية «إياها»، والذى أعلن فى الشروق أن قرار مرسى ضد النائب العام عدوان على السلطة القضائية، وأننا ندفع ثمن عدم إقامة محاكم ثورية، تشعر أن الرجل الذى أشرف على تمكين الذين تمكنوا، وقضى بالاتفاق مع المجلس العسكرى والإخوان على حلم عمل الدستور أولا، أصبح فى صفوف المعارضة، ولا أدرى لماذا لم يفسح فى إعلانه الدستورى سطرا للمحكمة الثورية، البشرى الذى يتهم خصوم الجماعة دائما بأنهم خائفون من الديمقراطية، قال إنه لا توجد أدلة مادية حقيقية على المتهمين فى موقعة الجمل بسبب الغياب الكامل لأجهزة البحث الجنائى والشرطة عن الساحة منذ 28 يناير وحتى بعد تنحى مبارك، ولم يطالب الأجهزة الأخرى بالأدلة، ولا كيف نقتص للشهداء، البشرى اعتبر عبد المجيد محمود من أفضل نواب العموم خلال نصف قرن، لا تعرف لماذا؟، وهل فتح أدراج محمود وفتش فى القضايا المركونة، البشرى وجد أزمة النائب العام فرصة للظهور كمعارض لمرسى.. الذى هو التطور الطبيعى للإعلان الدستورى.
«الإسلاميون أيضا مطالبون بالتواضع مع القوى السياسية الأخرى وبعدم إطلاق الوعود بغير حساب للناس، لأنهم لا يستطيعون أن يؤدوا دورهم دون غيرهم، ولا يستطيعون أن يدعوا لأنفسهم امتلاك الحقيقة»، هذه هى إحدى درر خالد مشعل التى نقلها فهمى هويدى مع غيرها باعتبارها تستحق التأمل فى اليوم التالى لموقعة جمعة الحساب، والتى اقتبسها من ورقة له فى مؤتمر «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطى» الذى استضافته الفاتنة الدوحة.. عاصمة الفتنة.