فى مايو من العام 2007، كتبت مقالاً نشر فى جريدة الدستور بعنوان «انتبه هنا شعب يهان ونظام يتهاوى» وكان دافعى لكتابة هذا المقال، هو إلقاء القبض على اثنين من أعضاء مجلس الشعب من الإخوان المسلمين، وحبسهما تحت دعوى أنهما عقدا اجتماعا يستهدف إسقاط نظام الحكم، فى حين أنهما أكدا على أنهما كانا فى ندوة حول بعض الأمور السياسية، ولأنى لا أعترف بغير القانون، تركت ادعاء «أمن الدولة» وادعاء عضوى مجلس الشعب، ولم يسترع انتباهى، سوى أن أمن الدولة احتجز النائبين دون الحصول على إذن مجلس الشعب، وهو ما يعنى أن الحزب الحاكم وقتها كان يستهين بالقانون.. فى الوقت الذى يدعى فيه أنه حامى حماه، كما أنه ينتهك شرعية مجلس الشعب «المنتخب» وهو فى ذلك ينتهك أيضاً شرعية الانتخاب التى يدعى أنه يستند عليها، ولذلك رأيت فى هذا المقال أن الحزب الوطنى يتهاوى، وأن الشعب الذى انتخب هذين النائبين يهان، ولن يبقى إلا أن يثور الشعب «المهان» على هذا النظام المتهاوى أصلاً.
لا تلمنى على دفاعى عن الإخوان، وإدانتى لحبس النائبين فى ذلك الوقت، وذلك لأنى لم أكن أدافع عن أشخاص بقدر ما كنت أدافع عن مبدأ، والمبدأ هنا كان إعلاء سيادة القانون، مهما كانت الأسباب أو الأشخاص، وبرغم ما أتعرض له يومياً من هجوم الإخوان والمتأخونين، فإننى لم أندم يوماً على دفاعى عنهم فى الأوقات الحالكة، فالغاية الكبرى التى لن ينصلح حال الوطن إلا بها، هى إعلاء مبدأ سيادة القانون، والأمل فقط فى أن يطبق هذا القانون على القريب والبعيد، وأن تصبح الدولة المصرية «دولة مؤسسات» حقيقة، تمارس كل مؤسسة عملها دون تدخل أو تحيز، وإن حادت هذه المؤسسات عن ممارسة عملها بحيادية، فليس عاقبة ذلك إلا تهاوى النظام الحاكم، وهو الأمر الذى أراه يقترب بشدة من الإخوان.
لا تتسع القمة إلا لواحد، بينما تستوعب الهاوية جماعات وجماعات، والهاوية هى الاسم المهذب لذلك المكان الشهير فى أدبيات الإخوان، والمسمى بـ«مزبلة التاريخ» التى يزعمون دائماً أنهم يلقون بخصومهم إليها، وفى الحقيقة فإنى أرى الجماعة تسير بانتظام إلى هذه الهاوية، فكل ما ارتكبه مبارك فى ثلاثين سنة، يرتكبه مرسى مسرعا فى ثلاثة أشهر، فمرسى الذى يدعى أنه يقدس شرعية القانون، ولا يعترف بالشرعية الثورية يخالف هذا القانون بكل سلاسة ويسر، ومرسى الذى يدعى أنه مع استقلال القضاء، وينكر محاولات اختراقه، يطيح بأكثر من مائة وثلاثين قاضياً فى «التفتيش القضائى»، ويعين بدلاً منهم قضاة منتمين إلى الإخوان، ومرسى الذى يسخر أنصاره من مصطلح أخونة الدولة، يطيح كل يوم بقيادات الجهاز التنفيذى فى المحليات والمحافظات، ويعين بدلا منهم «إخوان»، ولا سبيل هنا إلى ادعاء مرسى وجماعته أنهم يطهرون الدولة من «الفلول»، فلا يعنى التطهير أن تستبدل واحدا من جماعة غيرك بواحد من جماعتك، وإنما يعنى أن تحاسب الفاسدين على ما ارتكبوه من جرائم، وأن تعين بدلاً منهم الأصلح وليس الأقرب، وليس من المفترض أن تعالج جماعتك انهيار شعبيتك بصنع لافتات تصفك بقائد النهضة، وتكتب عليها أسماء مؤسسات وأشخاص لا يعلمون عنها شيئاً، فهذا كذب وتضليل ونصب واحتيال، لا يليق برئيس جمهورية «منتخب»، كما أنه من العار أن تواجه خصومك السياسيين بشبيحتك المدجنين، فتعتدون على المتظاهرين، وتكسرون لهم منصاتهم.. فى حين أنك استقيت شرعيتك - كما تدعى - من الميدان.
انتبه..
هنا شعب يهان ونظام يتهاوى.