ناجح إبراهيم

هل آن للفساد أن يطلق الأوقاف؟

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012 03:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«الوزارات المصرية المختلفة مدت يدها لخطبة الفساد.. ولكن الأخير رفضها جميعا.. وآثر عليها خطبة وزارة الأوقاف المصرية».. بهذه الكلمات المفرطة فى الصراحة عبر أحد العلماء الشرفاء عن التردى الذى وصلت إليه وزارة الأوقاف.. لقد بلغ الفساد فى وزارة الأوقاف فى عهد مبارك خاصة، وفيمن سبقه عامة ذروة السنام بين كل الوزارات والإدارات المصرية.. حتى أن تسعيرة التعيينات فى الوزارة لم تكن خافية على أحد.. فعامل المسجد لن يستلم وظيفته حتى يدفع عشرة آلاف جنيه.. أما المؤذن فكانت تسعيرته 13 ألف جنيه.. أما الإمام فكانت تسعيرته 20 ألف جنيه.

وقد رغب أحد الحاصلين على امتياز من كلية أصول الدين فى أن يعين إماما للمسجد دون أن يدفع الرشوة المقررة فقال له مدير الأوقاف وقتها: لو كنت حاصلا على الدكتوراة فإنك لن تقترب من المنبر ما لم تدفع عشرين ألفا.

ومن النوادر التى تحكى فى بلدتنا أن شابا قريبا لأحد مسؤولى الأوقاف أراد أن ينال وظيفة مؤذن فقال له قريبه المسؤول: خطاب التعيين معى الآن.. ولكن أين الفلوس.
قال: أمهلنى قليلا وسأدفعه لك بعد التعيين.

فقال له: أنا أعرف أنك لا تملك الآن المبلغ.. ولكن اذهب وأحضر «العجل» الذى عندكم واربطه فى شباك بيتى.. وحينها سأعطيك خطاب التعيين.

وكان هناك بعض مفتشى المساجد يتغاضون عن مخالفات كثيرة فى المساجد نظير مائة جنيه شهريا يتقاضونها بانتظام من عشرات المساجد المشرفين عليها.. وكان فرش المساجد بالسجاد المقرر له لا يتم إلا بعد دفع مبلغ كبير للمسؤولين فى الإدارة المعنية بذلك.

وهذا كله قطر من غيث الفساد المالى والإدارى الذى عشش وفرخ فى وزارة الأوقاف المصرية.. حتى صارت مثلا لذلك.. رغم أنها الوزارة المعنية بالدعوة إلى الله من جهة وإدارة الأوقاف الإسلامية من جهة أخرى.. والأخيرة نهبت نهبا منظما على مدار قرون طويلة من جهات عديدة ولم يستطع أى وزير أوقاف شريف وقف هذا النهب المنظم لها.

وقد وقف الشيخ الشعراوى عاجزا أمام النهب المنظم لها،وهو من هو فى الفضل والخلق والأمانة، لأن الوزارة كانت تعج بأساتذة التحايل على القانون والسرقة المنظمة تحت مظلة القانون نفسه.

ولعل البعض يسأل كيف يتم ذلك؟

فأقول: إنه إبداع مصرى تفردنا به دون سوانا من الأمم الأخرى.. فالموظف المصرى هو الوحيد الذى يسرق كل يوم مع ضبط كل المستندات الرسمية بصورة قانونية سليمة.

أما عن الدعوة الإسلامية التى من المفترض أن تكون وزارة الأوقاف هى رائدتها وسيدتها وفى مقدمة ركبها فقد ماتت موتا إكلينيكيا فى عهد مبارك وخاصة فى التسعينيات، ولم يطأ منابر الأوقاف أى قامة فكرية أو علمية أو شرعية إسلامية متميزة، حتى أننى قابلت د. العوا يوما وقلت له: لماذا لا تخطب الجمعة فى مسجد كبير لإحياء موات الدعوة؟ فقال: كنت أخطب قبل ذلك فى مسجد صغير حتى اخترع د. حمدى زقزوق مع الأمن حكاية تصريح الخطابة، فهل يليق بمثلى أن يذهب لاستخراج تصريح حتى أخطب فى مسجد صغير قرب بيتى، لقد احترمت نفسى واعتزلت الخطابة، وكذلك فعل معظم الدعاة الكبار إلا من استثنى من ذلك، حتى أن علماء كبار فى جامعة الأزهر ودار العلوم حاصلين على الدكتوراة لم يستطيعوا استخراج هذا التصريح العجيب.

وتصريح الخطابة الذى استحدثه زقزوق بإيعاز من الأمن مثل بداية النهاية للدعوة الإسلامية عبر منابر الأوقاف، حيث سمحت هذه المنابر للمتردية والنطيحة وما أكل السبع بالخطابة والدعوة وحرم منها كبار أساتذة الأزهر ودعاته ومفكروه وعلمائه.

لقد كادت الدعوة الإسلامية تموت عبر الأوقاف، وصارت مساجدها خالية الوفاض من روادها وخطبها باردة المعانى، لا تمثل حيوية الإسلام وقوته وديناميكيته، فلا لقاءات أو ندوات أو معسكرات أو رحلات دعوية، رغم أن إمكانيات وزارة الأوقاف تفوق إمكانيات الوزارات جميعا، ولكن عوامل النهب والهدم والتجريف جرفتها جميعا إلا من رحم الله من دعاة صالحين طيبين حاولوا بشق الأنفس الإبقاء على رسالة مسجد الأوقاف حية فى النفوس.

والآن جاء د. طلعت عفيفى ليجد كل ذلك ماثلا أمامه، فهاله الأمر وأغضبه وأخافه فى الوقت نفسه.

ولكن بدأ الإصلاح بعزيمة من حديد وتوكل الرجل القرآنى الواثق بربه.. فكيف بدأ؟! وبماذا بدأ؟! وكيف استطاع هذا الرجل القرآنى الرقيق الوديع أن يحطم جدر الفساد دون خوف ولا وجل؟! وكيف أعطى قبلة الحياة للدعوة الإسلامية عبر الأوقاف من جديد؟!
إنها قصة جميلة تحتاج لمقال آخر فى الأسبوع القادم إن شاء الله.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة