أنثى وأفتخر.. ولو كره الكارهون، هؤلاء الراقدون تحت الأقدام، ينظرون للدنيا من تحت فحسب، يعتبرون أن عوارهم الإنسانى، وتشوههم الأخلاقى، هو محض تميز عن «البنى آدمين»، لا ينظرون فى المرايا فيرون حقيقتهم، ولا تضم قواميسهم معانى الجمال كما خلقها الله، الأنثى التى خلقها الله نعمةً للبشرية.. حاملة ذريتها، وراعية حضارتها، لا ينظرون لها إلا من تحت أثوابها.
أعرف أن هذا هو المجال الوحيد لأبصارهم، فأمثالهم لا يعرفون من الحياة سوى ذلك، لكن حتى فى هذا يا ليتهم يعلمون.
هم.. المهووسون بالجسد ولا يعرفونه.
هم الكارهون لأمهاتهم المحتقرين لهن.
هم اللاعنون لما أخرجت ظهورهم.
هم الجاهلون بلا ذوق.
هم التائهون عن النعيم.
هم الملعونون فى السماء والأرض.
لا يجوز أبدا أن نحاسبهم باعتبارهم الآخر الذى نختلف معه، فكل ما يليق هنا هو أن نتعامل معهم كما ستتعامل معنا البشرية، لو أننا صمتنا على ما يجرى من مهازل سنجعل العالم ينظر إلينا باحتقار يتلوه ازدراء ثم اعتزال للأبد، على أقل تقدير، احتقار كان من المفترض أن يكون «تقديرا» بعد ثورة أذهلت العالم برقيها، ثم لا تتمخض إلا عن تجار البشر، العارضين لحوم بناتهن للمرضى بالجنس، والساعين لتقنين الدعارة كما لا توجد فى أى من بلدان العالم «المتحضر».
والله.. والله الذى خلقنا إناثا كما يريدنا، لو أننا صمتنا على المناقشات الهزلية الدائرة الآن، التى تذهب أبعد كثيرا مما يفعل خيال أى مؤلف موهوب؛ لصرنا ذكرى لا وجود لها فى تاريخ قادم، ستتبقى منا «الإماء» بلا حقوق امتلكتها تلك «الإماء» فى الماضى، لا إماء سنكون ولا حتى سبايا.. ولا إناث بالأساس.
متعوا عيونكم، واستمعوا بآذانكم، ما يجرى الآن هو محض إعلان لما كان يسرى فى الخفاء.. كان هؤلاء يسيرون بيننا فى الشوارع، يعملون فى مدارسنا ويعلمون أولادنا، يمارسون الرقابة فى مطابعنا وإعلامنا، يلونون المستقبل بالأسود بكل يقين، ولم يكن ثمة من يكترث، هم الآن يخرجون من الجحور، يعلنون «التخلف» و«الشره» و«اضطرابات السلوك» عيانا بيانا، ذلك أن كثيرا من أمان شعروا به بعد أن ظنوا أن «الملعب» لهم، والمعركة الآن معركة وجود، لا رفاهية ولا ترف.. هى أن نكون أو لا نكون، كلنا فى مهب الريح.. السائرات فى الشوارع، والنائمات فى البيوت، والراقدات فى المهد، وأبناؤهن الذين سينبتون فى ظلم مقيم، كلنا فى الهم سواء.
أن تكون نساء مصر مواطنات لا سبايا، أن تكون بناتنا معززات مكرمات فى بيوت آبائهن، يتعلمن فى المدارس، وتزدان بهن قاعات الجامعات، يسرن فى الشوارع آمنات، لا تنتهك أجسادهن ولا براءتهن، لا يقفن عرايا فى سوق النخاسة لبطون منتفخة وقلوب خاوية.. هذا ما نريد.
يا الله.. أهكذا صرنا بعد كل تلك السنين، نبحث عن آدميتنا فحسب؟!، نحتمى ببعض أملٍ وعقلٍ محتمل، من البيع كجوار وتقطيع أجسادنا بالقانون؟!، أى لعنة! وأى عبث! لكنها الحقيقة.. فإما نكون أو لا نكون.
وتذكرن جيدا.. أنه لا حياة لمن تنادى، الحياة كل الحياة لمن يستحققنها وحدهن.