حسناً فعلت الرئاسة حين بادرت بنفى الأنباء التى ترددت عن إرسال قوات مصرية إلى سوريا، فجيش مصر للدفاع عن مصر، وليس للتدخل فى شئون الدول الشقيقة، تحت أية ذرائع أو مبررات، ولا يجب أبداً أن ننسى أن حرب اليمن التى تورط فيها الجيش المصرى سنة 1962، كانت سبباً رئيسياً فى هزيمة يونيه 1967، ولا نُلدغ من نفس الجحر مرتين بعد مرور 50 سنة على تلك الحرب الكئيبة، التى لم يكن لمصر فيها ناقة ولا جمل؟
فى أيام عبد الناصر كانت ثورات التحرر العربى تجتاح المنطقة من "المحيط الهادرِ إلى الخليج الثائرِ"، وبدأت الورطة بإرسال قوات رمزية لمساعدة الثوار فى الحرب الأهلية ضد بقايا النظام الملكى، بعد قيام الثورة اليمنية بقيادة عبدالله السلال ضد الأمير أحمد، وواجهت القوات المصرية مقاومة شرسة ولحقت بها خسائر فادحة، بسبب وقوف السعودية وبعض الدول الاستعمارية ضد عبد الناصر، لكسر شوكته وجره إلى مستنقع لا يعرف الخروج منه، وكما يقول المثل "فى زمن الحرب يعرف الجميع من أطلق الرصاصة الأولى، ولكن لا يعرف أحد من يطلق الرصاصة الأخيرة"، وقد حدث ذلك بالفعل.
شبح حرب اليمن هو الدرس الذى استوعبته العسكرية المصرية، فالحروب كالقمار ولا يمكن لأحد أن يتحكم فى مسارها، فعندما ذهب الجيش المصرى إلى اليمن كان مقرراً أن ينهى مهمته فى ستة أسابيع على الأكثر، فظل غارقاً فى حمامات الدم ست سنوات كاملة، وتحولت القوات الرمزية إلى جسر جوى يومى من القاهرة إلى صنعاء، ينقل الجنود والأسلحة والمؤن والذخائر ومستلزمات الحرب، حتى وصل عدد القوات إلى 130 ألف جندى استهلكوا 20 مليون طلقة ذخيرة، من قوت الشعب المصرى الغلبان، علاوة على التضحية بدماء طاهرة وأرواح ذكية فى حرب ليست حربها، وفى النهاية لم يحمل أحد لمصر فضلا ولا جميلا.
المغامرة من أساسها كانت خاطئة، لأن الجيوش النظامية والقوات العسكرية لا تصلح لحرب العصابات فى المدن والشوارع المفتوحة، ولا يمكن أن يحارب بدباباته ومجنزراته وأسلحته الثقيلة المدنيين العزل فى الشوارع والحوارى والأزقة، كما فعل عبد الناصر فى اليمن، ولما لحقت بقواته خسائر كبيرة اضطر إلى استخدام النابالم وقصف المدن والقرى بالطائرات، وفقدت مصر القوة الضاربة فى حرب خاسرة، وعاد الجيش مهلهلا من اليمن بعد النكسة، فاقداً أسس ونظم التدريب والقتال والتسليح لأنه خاض حرباً لا تناسب الجيوش.
جيش مصر للدفاع عن كل شبر من التراب الوطنى، خصوصاً سيناء الحبيبة التى تحيط بها المؤامرات من إسرائيل والجماعات الإرهابية على حد سواء، فلنطهر سيناء ونحميها ونحصنها، ولن يؤدى هذه المهمة المقدسة سوى جيش مصر، الذى قاد المرحلة الانتقالية فى الداخل بعد قيام الثورة، وعاد إلى مهمته الأساسية فى حماية أمن مصر واستقرارها واستقلالها، بعد تسليم السلطة للدولة المدنية، وليستكمل مسيرة التدريب والتحديث والتطوير، ليظل على نفس المستوى القتالى الهائل الذى مكنه من تحقيق نصر أكتوبر، وإلحاق الهزيمة بإسرائيل.
حسناً فعلت الرئاسة حين بادرت بالنفى، فقد رفض هذا الجيش العظيم أن يتورط فى أية حروب خارج حدوده، وتصدى بشدة لضغوط الولايات المتحدة عندما أرادت توريطه تحت مسمى "قوات السلام العربية فى العراق"، أو الحصول على تسهيلات عسكرية لضرب ليبيا أيام الرئيس ريجان بعد حادث لوكيربى الشهير.. وظل محافظاً على اللحاق بركب الجيوش الحديثة، وعلى أعلى درجات اليقظة والاستعداد.
جيش مصر للدفاع عن أرض مصر وترابها وحدودها وهوائها ونيلها وسمائها وشعبها.. جيش مصر الذى صرخ فى وجه أعدائها "دع سمائى فسمائى محرقة.. دع مياهى فمياهى مغرقة.. واحذر الأرض فأرضى صاعقة".. يحمى ولا يهدد، يصون ولا يبدد، لا يغامر ولا يقامر، يسالم من يسالمه ويعادى من يعاديه.