حقيقة الأمر أن حمدين صباحى لم يعد يدهشنى.. أنا لا أنكر تاريخه فى النضال والكفاح ضد الأنظمة، ولست إخوانيا بالانتساب أو حتى الهوى، ولا أنكر حبى لجمال عبدالناصر وأكره الانحياز المتطرف الذى يخرج هذا الحب عن سياقه التاريخى والوطنى، وكان إعجابى بما عايشته أو عرفته عن نضال حمدين صباحى نابعا من كونه امتدادا للزعيم الذى أحترمه لكن طوال الوقت كان أداؤه ينقصه شىء ما يقلل استعدادى للاقتناع بجدية ما يقول.
فكرة التيار الشعبى جيدة بلا شك، ونواياها صادقة ولا تثريب على وطنية من شاركوا فيها، بينما هناك شكوك كثيرة حول من انتقدوها بوضعها فى مربع العداء للإسلاميين، لكن ستبقى النتائج المبتورة والنهايات المؤسفة من الطباع الأصيلة لأغلب المشاريع السياسية المصرية بعد الثورة، فالتحالفات فاشلة والتكتلات تتحول لصراع على الزعامة، والاندماجات تخدم مصلحة الأكثر مالا والأعلى صوتا، ورغم أن التيار الشعبى كان أقرب للنجاح، لكن بوادر التفكك والفشل بدأت - فى وجهة نظرى - حيثما انتهى حمدين صباحى على النتيجة الرائعة بقوله «القوى اليسارية ستهزم الإسلاميين فى الانتخابات القادمة»، حسنا.. ولكن قل لى بربك هل تعتقد أن البسطاء والعامة من المصريين مثلى سيعرفون أنك تقصد أن التيار المدنى سيفوز فى مواجهة المتاجرين بالدين، لا أظن.
حمدين يعترف دائما بأنه من البسطاء أبناء هذه الأرض، كما كان يفعل عبدالناصر، لكن ينسى فى كثير من لحظات الثقة الزائدة أن كثيرا من تلك الطبقة التى ينتمى إليها حدث لها تشويش فكرى وتعليمى متعمد، فهى لا تثق إلا فى «بتوع ربنا» وتنتفض أمام كل من تتخيل أنه يعادى الإسلام، ولا تعرف الفرق بين الشيعة والشيوعيين، واليساريين والعلمانيين، والليبراليين والملحدين، أو حتى البوهيميين والملتحين، فكيف تكون بسيطا وتحدث بكل هذه النخبوية المتعالية عن نتيجة منافسة هو يعرف جيدا أن أحاديث المنابر وأكياس السكر وزجاجات الزيت هى التى حسمتها، وليس فكرا قارع فكرا أو برنامجا سياسيا هزم آخر، لكن الحديث عن اليسارية حاليا وهى سيئة السمعة فى ذهن العامة يشبه الحديث عن فوائد الجنس مع مصاب بجلطة دماغية.
أنا أحترم اليساريين وأعرف قدر الظلم الذى تعرضوا له بأيديهم وأيدى المؤمنين فى التيارات المضادة، ورغم ذلك لا يحق لأحد حتى لو كان حمدين صباحى نفسه أن يجمع كل من يختلف مع حكم الإخوان المسلمين تحت لواء اليسار فى هذا الوقت الحرج الذى تشوهت فيه الحقائق، وتحولت المفاهيم لمسوخ تطارد المؤمنين بها فى الشارع والإعلام والمسجد، وأخشى أن يكون هذا الدمج المجحف مغامرة تفضى بنا لخسارة كل التيارات المدنية من أجل تحقيق نزق يسارى.. فخاطبوا الناس على قدر عقولهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة