ملخص ما فات: ظهر عيسى بن هشام لى فظننه قادماً من الأحلام وحكى لى كيف أنه يظهر فى كل زمان ليرافق أحد الأنام ويتفقد أحوال الرعية والبلاد، وأن ظهوره الأول كان على يد بديع الزمان الهمذانى فى المقامات ثم اختفى ليعود مرة أخرى على يد محمد المويلحى الذى كتب عنه كتابه الشهير حديث عيسى بن هشام، وها هو قد قرر أن يعود مرة أخرى إلى المحروسة ليتابع أخبار الراعى والرعية، وتأكد لى أنه ليس حلما ولا أوهاما حين رافقنى إلى ميدان التحرير يوم جمعة الحساب ورأيت دمه سائلاً من طوبة شاب من شباب الإخوان وراح يصرخ «شُجت رأس ابن هشام من الإخوان»!
الحلقة الثانية:
ذهبت مهرولة بعيسى بن هشام إلى المستشفى وهو يصرخ رأسى رأسى! وأنا أحاول أن أهدئ روعه وأقول له ألا يخاف لأن الطب قد تطور فى هذا الزمان وأن ما به شىء بسيط لا يستدعى الجزع، وبالفعل وصلنا إلى أقرب المستشفيات فوجدت أبوابها موصدة ومكتوب على بابها «الأطباء فى إضراب» فدفعت ابن هشام دفعاً حتى لا يرى اليافطة ويسألنى أسئلة مزعجة طويلة لا وقت لها فى هذه اللحظة، وبالفعل لم يتبين المكتوب ولكنه سألنى «ما بال الإسبيتالية خالية ألهذه الدرجة تطور الطب ولم يعد هناك مرضى؟» فقلت له «حاجة زى كده بس مش بالضبط المهم اصمت حتى العلاج».. وذهبت من مستشفى إلى أخرى أطرق الأبواب وما من مجيب إلا يافطة عليها «هنا إضراب الأطباء»، فأُسقط فى يدى وبسبب صراخ ابن هشام اضطررت أن أحكى له حكاية إضراب الأطباء، عله يتلخم فى الحكاية ويقل صراخه، فإذ به يزيد ويقول «ياويلاه كيف بملائكة الرحمة يتركون العباد بعناد فى كبد ومرض وسهاد!» فقلت له يا عم ابن هشام الطبيب فى البلاد يتقاضى ما قل ودل من الحكومة ويعمل فى ظروف غير إنسانية ومنذ الثورة وأطباء وزارة الصحة يتعرضون للإرهاب على يد البلطجية والأهم أنهم يعيشون حياة غير كريمة لا تليق بملاك ولا شيطان، وهنا يقل صراخ ابن هشام ولكنه يسألنى سؤالا لا أدرى له من جواب حين قال «قد يكون الحكيم مظلوما وقد يكون كما تقولين وأكثر وقد تكون الحكومة السنية مفترية ولكن كيف يقبل لو كان مظلوم أن يظلم من هو أكثر منه هموما، ألا يكفى الإنسان المرض وكما تقولين إن المرضى فى هذه الإسبيتاليات فقراء، فالفقر يا بنت شومان ظلم وعذاب، أما المرض وإن كان قضاء من الرحمن فإنه هوان، فكيف بمن تقولون عليهم ملائكة رحمة يقتصون من المرضى الفقراء أى أن مصيبتهم ضِعفان، ثم أين تلك الدولة التى تترك الحكيم أو الطبيب كما تقولين يقتص من المريض الغلبان؟؟»
«يا عم ابن هشام لا تقلب على المواجع مش كفاية أنت والدم اللى بيشلب من نفاخوك» هكذا حدثتنى نفسى ولكنى ما كدت أفتح فمى حتى قال لى عيسى بن هشام وكأنه قرأ أفكارى «لا عليك يا بنت شومان هل لديك بعض مطحون البن كى أكبس به رأسى كما كنا نفعل زمان؟»
فقلت «الله يفتح عليك بسيطة، البلد مافيهاش أكتر من المقاهى والكافيهات فإلى واحدة منهم لعلنا نجد فيها دواء للداء».. اصطحبت ابن هشام فى سيارتى مهرولة إلى أقرب كافيه وفى الطريق يبدو أن ابن هشام بدأ يستعيد وعيه بعض الشىء ويدرك ما يحيط به بعد أن توقف نزيف رأسه قليلاً فراح يقول «ياللهول ما أرى أهذه بلاد وشوارع أم عركة وساحة قتال، مالى أرى الناس والدواب والسيارة والراكب كلهم فى طريق واحد يتقاتلون ولا يبدو عليهم أنهم يسيرون، ثم ما بالهم معفرين مغبرين وبائسين كأن على رؤوسهم الطير!!».
فى زماننا كان البعير لها طريق والخراف والعير فى طريق، أما البشر فكان لهم طريق، فما بال المحروسة لم تعد كما كانت فى قديم الزمان! وكيف صرتم جميعاً فى طريق واحد دون تمييز بين راكب أو سائر مما ينطبق عليه قول الشاعر: «وأصبح الناس فوضى لا سراة لهم - ولا سراة إذا جهَّالهم سادوا، فهل يتسيدكم جهالكم حتى صرتم فى هذه الفوضى يا من يطلقون عليك بنت شومان؟».. وللحق على قدر حبى للتاريخ وأهله إلا أن عيسى بن هشام صار وجعاً فى الرأس والقلب وصحبته صارت تنغيصاً فى تنغيص للعيشة واللى عايشنها فقلت له «يا عم الحاج نحن أكثر من 85 مليون نسمة نتحرك فى %5 من مساحة مصر أليس طبيعياً أن تكون شوارعنا هكذا؟»
هز رأسه المشجوجة وقال «وهذا يدل أكثر على أن جهالكم يسودونكم فكيف تتركون أرضاً مهدها الله للعباد وتتكاثرون فى بقعة ليس فيها إلا القتال والتعب، إن الله خلق الأرض ليعمرها البشر فلم لا تقومون على عمل أهلكم الله له.. آه أيها الأحفاد كم تصورت أن حالكم سيكون على خير جواب فإذا بى أجدكم فى فوضى وعذاب»، وقرر ابن هشام أن يغض بصره عن الشوارع المحيطة وتناول مجموعة صحف كانت فى مؤخرة السيارة ليقرأها فقلت يا داهية دقى الأفضل لك أن تنظر فى الشارع بدل ما تجبلنا الكلام عن الصحافة وحال الناس، وحاولت يهديك يرضيك وأبداً لم يسمع لى ابن هشام أى كلام وراح يقرأ الصحف وفجأة سألنى «ما أجمل أن يكون اسم صحيفة الحرية والعدالة فمن يملك هذه الصحيفة فاسمها جميل؟».
فقلت «يملكها الحزب الذى يحكم البلاد والعباد ومنه يأتى حاكم البلاد»، فهز ابن هشام رأسه وراح يقرأ الصحيفة فإذا به يقطب جبينه ويقول «كيف بمن يحكمون البلاد يقولون هذا على العباد ألا يسيرون فى الشوارع ويرون حال الأنام أم أنهم يتملقون الحاكم وهو منهم مطاع وهمام، هذه علامات غير صحيحة تنبئ بمستقبل غير تمام، وإليك حكاية الأغا أو مساعد السلطان الخليفة عبدالحميد حين بدأت دولة الخلافة تفقد أراضيها إثر هزيمة الدولة العلية أمام روسيا القيصرية وكان السلطان حزينا على ضياع كثير من المُلك الذى تركه له الأجداد، فدخل الأغا على جلالته وقال له لا يهتم مولانا الأعظم فقد خرجت إلى ظاهر السراى ونظرت يميناً ويساراً فوجدت جميع ما انتهى له بصرى هو ملك جلالتكم فلا تزعل فإنه يكفينا، يا بنت شومان ما أتعس عبدا يظن أن المقصود من الخلافة والسلطنة هو ما يقوم بمعيشة السلطان وبطانته.. وهذا ما أقرأه فى حريتهم وعدلهم المزعوم!». وعند هذا الفاصل فى الحديث دخلت علينا سيارة لورى بدون فرامل وكأنها حاكم ظالم فهرستنا شمالاً ويميناً وصرخ عيسى بن هشام آواه آواه ما بال هذا البلد برأس ابن هشام لقد شجت رأسى اللورى كما فعلها من قبل الإخوان.
البقية الأسبوع القادم إن كان فى العمر بقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة