فى الشعب المصرى خصال معروفة، حفظناها من كثرة تكرارها، كما فى الاقتصاد كذلك فى السياسة، يتبعها كما لو أنه مفطور عليها، فصار من السهل أن تتوقع بعض التصرفات بناء على ما تراه من مقدمات، من هذه الخصال أننا نحب أن يستمرئ نجاحات الغير، فما أن ينجح مشروع ما، حتى تجد الكثير من رؤوس الأموال تتجه إلى نفس المشروع، سواء كان هذا المشروع صغيراً أم كبيراً، يصير هذا المشروع حلما، يحلم به الجميع، ساعين إلى تحقيقه بكل السبل، فما إن نجحت تجربة القرى السياحية، حتى امتلأ بر مصر وبحرها بهذه القرى، وما إن نجحت تجربة السوبر ماركت حتى امتلأت شوارعنا بهذا المشروع، قديماً كان كل من يجد فى يده «قرشين» يسارع بفتح «بوتيك»، وحينما بارت «البوتيكات» صار التاكسى هو الحلم المأمول، حتى اشتكى الأسفلت من كثرة التاكسيات، وفى الأحياء الفقيرة بعد أن ظهرت أولى بوادر نجاح «التوك توك» صار حلم الطبقات البسيطة هو امتلاك «توك توك» حتى أصبحت شوارعنا كأعشاش النمل.
ذات الخصلة تتكرر فى السياسة، فحينما كانت الأحزاب اليسارية رائجة، ضاقت الدنيا بالتيارات والحركات والتنظيمات اليسارية، ولما انتهت موضة اليسار، راجت موضة الليبرالية، فوجدنا أحزاباً وحركات كثيرة تفتخر بأن تطلق على نفسها هذا الوصف، منها حزب الغد، وحزب الجبهة وغيرهما، وحينما تنحى مبارك وأصبح شباب إئتلاف الثورة نجوماً فى الصحف والفضائيات، تم إنشاء ما يقرب من مائتى إئتلاف، استغلالا لشهرة هذا الاسم الذى أصبح وش السعد على مبتكريه، وتكرر الأمر بحذافيره بعد انتصار «نعم»، التى قالوا إنها مع الله، على «لا» التى وصفها بأنها من صنع شياطين الإنس، فازدهرت الأحزاب التى يدعى أصحابها أنها «إسلامية»، وإنها تطالب بتطبيق الشريعة، فرأينا جماعة الإخوان تنشئ حزبا، والسلفيين ينشئون حزباً، والجماعة الإسلامية تنشئ حزبا، ولواء سابق ينشئ حزبا، والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ينشئ حزباً، ومنذ يومين أنشأت الجبهة السلفية حزبا آخر، بالإضافة إلى حزب الشيخ المحامى حازم صلاح أبو أسماعيل الذى يحضّر لانطلاقته منذ أشهر.
كل هذه الأحزاب تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وكلها تدعى أن الباطل لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها، وكلها تدعى أنها الوحيدة التى تمثل الإسلام، فهذا إسلام «وسطى»، وهذا إسلام «حقيقى»، وهذا إسلام «حضارى»، وهذا إسلام «صحيح»، المهم أن يتضمن اسمها «إسلام» والسلام، ليتحول الإسلام على يد هؤلاء إلى سلعة فى سوق السياسة، يزايدون على بعضهم البعض، ثم ينالون من بعضهم البعض «وكله بالإسلام»، والغريب أن القائمين على هذه الأحزاب، لا يكلفون أنفسهم عناء شرح مرادهم بكلمة «تطبيق الشريعة»، فلا نعرف عن أى شريعة يتحدثون، علماً بأنه لم يعرف التاريخ حتى الآن مذهباً إسلامياً، إلا ونال أصحابه من الهجوم الكثير الذى وصل فى كثير من الأحيان إلى التكفير والقتل، ولم يكن هذا من خصوم معلنين للإسلام ودولته، وإنما كان من مسلمين آخرين، ادعوا أنهم خير منهم، وإن إسلامهم أصح من إسلام مخالفيهم، حتى أن ياقوت الحموى فى معجم البلدان، قال إن الإمام الشافعى توفى على يد أحد أتباع المذهب المالكى ويدعى فتيان، والسبب هو تأليف الإمام لكتاب «خلاف مالك» الذى انتقد فيه الإمام مالك وخالفه، والسؤال الآن الذى آمل أن تجيب عنه هذه الأحزاب التى تدعى أنها إسلامية: أى شريعة تريدون.. وأى إسلام تطبقون؟
تعلو الشريعة فوق كل مطمع وغرض، غير أن الكثيرين من أبناء بلدنا، يصرون على أن تصبح الشريعة سبوبة سهلة مريحة، والله غالب على أمره.