ليس العيب أنك لا تفهم، الأسوأ أنك تشعر بوجود خطأ ما ولكن لا تستطيع الإمساك به، هذا الحال بالضبط ينطبق على فهمنا لقضية الهجوم على المشير حسين طنطاوى والفريق سامى عنان، كلاهما لديه مناصرون وأعداء، لكن أى من الطرفين لا يملك دليلا قاطعا على صحة موقفه، اللهم إلا القناعة الداخلية ببراءتهما أو تورطهما فى مهاترات المرحلة الانتقالية، أما ضعيفو الفهم أمثالى فلا يسلمون بأحد الرأيين تسليما كاملا، ليس جهلا لا سمح الله، ولكنه هذا الغموض اللعين ونقص المعلومات المهين لعقلية المواطن المصرى من قبل الأنظمة الحاكمة على اختلافها، فلول وعسكرى وإخوانى.
أمثالى أيضا واقعون تحت تأثير التشتت بين طرفى الهجوم والدفاع عن قيادات المجلس العسكرى السابقين وبالأخص المشير طنطاوى، فالرجل له شلة إعلامية معروفة تصدر لنا صورته كبطل الحرب والسلام وحامى الثورة وقاهر الفلول وعدو سوزان وهازم جمال، وتفانى بعضهم فى أنه رجل غارق فى «الحنية» وطالبه بالحزم تجاه ما يحدث - وليته فعل كنا سنجد حينها من يتخذ قرارات نستطيع محاسبته عليها بعدئذ - لكنه للأسف ظل يقود المرحلة بحنان متناه وصل إلى حد الإهمال فى كثير من الأحيان.
فى المقابل تجد فريقا يعادى هؤلاء العسكريين السابقين، ويحملهم أوضاعا متردية كثيرا الآن، بعضهم لديه الحق فى كثير من الاتهامات - فالمشير طنطاوى يتحمل المسؤولية السياسية لأحداث دامية وقعت حينئذ - وبعضهم يعادى هؤلاء الناس بتهمة سخيفة لا يصح أن يتعلق بها أحد بعد الثورة، مفادها أن سياسات المشير وإخوانه كانت سببا فى وصول الإخوان والسلفيين لقمة الهرم السياسى فى مصر، وهى تهمة لا تقل خيبة عن الخطابات النظرية للنخبة السياسية المضادة للإخوان، فتلك النخبة تعترف من داخلها أن تلك التيارات فازت بالعمل على أرض الواقع واللعب على وتر الدين، فلماذا يحملها طنطاوى وحده.
ولأن هذا ليس مجال إثبات براءة أو إدانة المشير حسين طنطاوى، فلا مفر من الاعتراف بوجود حالة من قلة المعلومات ترقى إلى حد الجهل بما كان يدور فى أروقة الحكم بعد الثورة، وما يشغلنا أن يتحلى المشير طنطاوى ورفاقه بشجاعة مواجهة التاريخ وسرد ما كان خافيا، والتخلص من شهوة الغموض التى تتملك المسؤولين المصريين، فأضاعوا بها حقائق شتى خوفا من المساءلة، ولا تتركوا التفاصيل يرويها أصحاب المصالح والمتسلقون وكتبة التاريخ المشوهون.