ليس عوداً على بدء، أن نتحدث عن «المسؤولية الإعلامية»، ولا عن «التنظيم الذاتى لوسائل الإعلام فى مصر»، ذلك أن أى مهتم بالشأن الإعلامى فى مصر، من صحفيين أو ملاك لوسائل الإعلام أو حتى القراء والمشاهدين أنفسهم، يدرك جيداً أن المرحلة الانتقالية التى نعيشها فى مصر الآن، تنعكس ضمن ما تنعكس على الشأن الصحفى والإعلامى بشكلٍ عام، انعكاساً تكاد تكون نتائجه مصيرية على مستقبل الصحفيين والإعلاميين.
فى منتصف أكتوبر الجارى، نظم معهد إيريش بروست للصحافة الدولية «Erich-Brost-Institut»، والتابع لجامعة دورتموند التقنية «Technische Universitat Dortmund»، وبالتعاون مع نقابة الصحفيين المصريين، مؤتمراً تحت عنوان «المسؤولية الإعلامية فى الفترة الانتقالية، تطرقت محاوره للنقاش حول المسؤولية الإعلامية والشفافية الإعلامية فى مصر، سواء فى الإعلام المحلى والإقليمى، أو المواقع الاجتماعية، والأهم من ذلك كيفية دعم المسؤولية الإعلامية فى مصر، وتفعيل المجالس الصحفية والإعلامية لأجل ذلك، والدور الذى يمكن أن تلعبه صالات تحرير الأخبار فى هذه القضية.
قد يبدو الموضوع نظرياً أكثر مما ينبغى، لكنه فى الحقيقة عملى وواقعى، وشديد الإلحاح، فالإعلام المصرى مستهدف الآن أكثر من أى وقتٍ مضى، ممن يريدون تشويهه والقضاء عليه، وبالإضافة إلى ترسانة القوانين المقيدة للحريات والنشر، فإن الأكثر منها ينتظر الصحفيين والإعلاميين، فى الفترة المقبلة، بصورة تمثل خطراً حقيقياً على مستقبل الإعلام المصرى، إن لم يتم الاستعداد له بمزيد من الاحتراف المهنى، والالتزام الأخلاقى، والتكاتف، والوعى بقضايا المهنة، وبأهمية تطوير أدوات العمل والتشبيك، والأهم.. أن الإيمان بكل ما سبق ليس ترفاً، ولا «شغل ناس فاضية».
تعانى المنظومة الصحفية والإعلامية المصرية، من مناطق خلل كبيرة، لا تتوقف عند تقييد عملها بمنظومة ملكية تقيد حريتها، ولا قوانين تعيق النشر، بل إن الأخطر من وجهة نظرى هو العقلية القديمة السائدة لدى العاملين فى المهنة، والتى تجعلهم من الأساس غير مهتمين بكل ما يخص التطوير، ومنه بالطبع البحث عن آليات للتنظيم الذاتى، بل والبحث عن معنى التنظيم الذاتى أصلاً، وجدواه، وصولاً إلى وضع آليات تضمن تطبيقه بما يناسب الواقع المصرى ومصلحة صحافتنا وإعلامنا.
ويقودنا ذلك إلى إدراك حجم المعضلة التى يواجهها الإعلام المصرى: إن عقلية العاملين فيه تحتاج إلى التطوير، حتى تتمكن من مجاراة التطور الواقع فى المجال الإعلامى على المستوى العالمى، مجاراة لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتحقق، إلا بالتدريب، والإيمان بأهمية المجهود الذاتى للإعلامى فى الاطلاع على كل جديد، وبشكل يكاد يكون يوميا، هذا.. وإلا يصبح الحديث عن إنقاذ المهنة محض خيال، وبمعنى آخر سيكون مآل المهنة إلى الانقراض هو مسألة وقت لا أكثر!
ولا يعتقد أحد أن زيادة ضخ الاستثمارات فى مجال الإعلام، هو دليل على أن إعلامنا يسير فى الاتجاه الصحيح، هذا غير صحيح بالمرة، بل إن هذه الاستثمارات يمكن أن تتوقف فى لحظة ما، إذا لم يكن المردود مناسبا للإنفاق، كما أن وجود وسائل للإعلام لا يعنى بالضرورة أن تكون هذه الوسائل «وش خير» على المجتمع والمهنة، فقد تتسبب فى كوارث حقيقية تدمر المجتمع نفسه، ولسنا فى حاجة هنا إلى أدلة، فالنماذج لدينا تتحدث عن نفسها، أما عن خطورة تكاثر هذهِ الوسائل بلا ضمانات حماية للصحفيين، فالنتيجة الحتمية هى أن الضحايا سيتساقطون تباعاً وأن كلاً منا سيصيبه الدور يوماً ما.
الحل.. والحل الوحيد لحماية أنفسنا، وحماية مهنتنا، فى عالم يموج بالتقلبات، وفى مجتمع يولد من جديد، ووسط مصالح تتشكل فى زمن قاس، ومهنة صارت لا تعترف بغير المتطورين، هو أن نفتح نقاشاً حقيقياً يتسم بالجدية، ويستهدف خلق آليات ذاتية تضمن الالتزام بالمسؤولية الإعلامية، وأن ننظم ذاتنا بأنفسنا، قبل أن تطيح بنا أمواج لا بد قادمة.. لا تحبنا ولن ترحمنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة