الثورة الحقيقية لن تتحقق إلا إذا تفككت منظومة الفساد الضخمة فى الدولة العميقة البيروقراطية، فإذا كان النظام السياسى قد سقط بثورة شعبية لكن لم تسقط أركان الفساد الإدارى فى مؤسسات الدولة وجعل الدولة عاجزة عن تحقيق أهداف الثورة خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد الإدارى سواء فى المحليات أو المؤسسات التنفيذية.
حتى الآن لا يشعر الناس بالتغيير الحقيقى والاتهام غالبا ما ينصب على المحليات دون النظر إلى سوء فساد إدارة المحليات من قمة الهرم الوظيفى بداية من الوزير المسؤول إلى المحافظ، فأهل الثقة والمحاسيب والعشيرة والأحباب مازالوا هم ذوو الحظوة فى تولى المناصب فى المحليات، أما الكفاءات من الشباب الوطنى الجاد الذى يعمل بوازع من ضميره للمصلحة العامة فلا وجود له فى منظومة الإفساد المستمرة فى الجهاز الإدارى فى الدولة.
والنماذج كثيرة ومتعددة فتعيين المستشارين من فصيل سياسى واحد فى إحدى المحافظات هو إفساد فى المحليات وليس فسادا فقط، وتعيين الوزير لأحد محاسيبه رئيسا لمجلس مدينة يندرج أيضا تحت بند الإفساد، كما أن تعيين نواب للمحافظين بلا كفاءات حقيقية أو مهارات إدارية أو صلاحيات محددة هو إعادة لإنتاج نفس سياسات النظام السابق أو الإبقاء على أدواته فى إدارة شؤون الدولة.
الأمر الواقع هو الذى يتعامل معه المواطنون الآن بعد أن بدأ يتسرب إلى نفوسهم اليأس ويسيطر عليهم الاإحباط من حدوث أى تغيير ولسان حالهم يقول «مافيش فايدة، لم يتغير شىء». فالثورة الحقيقية لم يصل قطارها بعد إلى محطات كثيرة فى الدولة، خاصة محطة التطهير الإدارى والفساد والإفساد فى المحليات وهى إحدى التحديات الصعبة أمام حكومة الثورة والرئيس المنتخب، فإما أن تدخل فى مواجهه حقيقية أو تستسلم لـ«الدولة العميقة» التى أثقلها الفساد، وتقاوم مقاومة شرسة للحيلولة دون التغيير االمنشود والثورة الإدارية المطلوبة فى كل مؤسسات الدولة.
تسرب اليأس إلى نفوس المواطنين يدل على قوة منظومة الفساد فى مؤسسات الدولة ويدل اأيضا على عجز الدولة الحالية أو عدم رغبتها وفقدانها للإرادة السياسية فى هدم أركان هذه المنظومة بالتطهير الإدارى.
مراكز القوى فى مؤسسات الدولة وأصحاب النفوذ والمنتفعين بالفساد أصبحوا سرطانا يحتاج إلى معجزة لاستئصاله وتدميره حتى يشعر الناس أن هناك ثورة حقيقية.