التسلط لا ينمو فجأة، والديكتاتورية لاتولد بين يوم وليلة، لكنها تتكون عبر الشهور والأيام، يساهم فى صنعها أشخاص وانتهازيون ومبررون، وطلاب سلطة. لقد تكون الاستبداد والتسلط على جلد نظام مبارك والحزب الوطنى، على مدار سنين ومبارك فى عام 81 ليس هو فى عام 91، ولاهو بعد عام 95.
فقد بدأ حكمه وهو يتحدث عن الشفافية والمصارحة وطهارة اليد، وأن أحدا ليس فوق القانون. لكنه انتهى وكل هذه الأمور على العكس، الفساد ممتد بطول البلاد وعرضها، والفقر أيضاً. وسوء الحال. كان يمكن لمبارك أن يدخل التاريخ، لو أنه استمع إلى الأصوات التى نادت ببناء دولة القانون، وأن يصبح رئيساً لكل المصريين، ويترك الحزب الوطنى ليكون حزباً من بين أحزاب متنافسة. لكنهم اقنعوه بأنه يجب أن يظل على رأس الحزب. وكانت نقطة البداية فى فبراير 1982، عندما تمسك مبارك برئاسة الحزب الوطنى. ورفض أن يكون رئيسا للجميع، وحكما بين السلطات.
ومع الوقت بدأت تتكون شبكة للمصالح، من رجال السلطة الجدد، الذين كانوا فى الصفين الثانى والثالث لنظام الرئيس السادات. لم تولد الدولة المتسلطة فجأة، لكنها تكونت خطوة وراء أخرى.
كان رجال القانون الطامحون أول من ظهر فى الصورة، وبدأوا يسوغون لمبارك القرارات التى تمكنه من فرض سيطرته على كل الأجهزة والسلطات. كما برروا استمرار الخلط بين السلطات، حيث يتحكم مبارك فى كل أجهزة الأمن، وتكون له اليد الطولى فى اختيار رؤوس السلطات. وكان رئيس مجلس الشعب لايتم اختياره من قيادات الحزب الوطنى، ثم يختار الرئيس الحكومة ووزراءها. ويرأسهم ويديرهم. ومن الصعب على مجلس الشعب أن يحاسب الحكومة.
وفى نفس الوقت نمت مصالح لرجال السياسة، وانضم رجال المال إلى الحزب، وانتقلوا لمجلس الشعب. وبدت الفواصل غائبة بين المصالح الخاصة والعامة. وخلال عشرين عاماً، كانت شبكات المصالح قد أحكمت قبضتها، وبنت شبكات أضيق أو أوسع. تتواصل مع بعضها.
كل هذا صنع التسلط وليس غيره. ومع الوقت كان لدى شبكات المصالح الرغبة فى الإبقاء على نظام الحكم بقواعده المتداخلة. وحرصوا على حماية تداخل السلطة، وحالة من التشابك.
رجال التشريع يحصلون على مكاسب مختلفة.. أراضى ووظائف وأعمال استشارية فى شركات رجال المال. ورجال المال يحمون مصالحهم بمناصب تشريعية وتنفيذية. ومجلس الشعب يعرقل أى تشريعات تمنع الاحتكار، أو تداخل المصالح.
استمرار القواعد التى تساعد على تداخل المصالح، يسمح بإعادة ماكان، لأن الخلط بين المناصب التنفيذية والتشريعية والحزبية، هو الذى يصنع شبكات المصالح. طالما كانت خميرة الفساد موجودة، وقابلة للنمو. والحل هو الفصل بين السلطات. وإبعاد رجال المال عن السياسة والعكس. لكن مانراه الآن هو أن رجال السياسة يتدخلون فى السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ورجال المال يطوفون حول كل السلطات. بما قد ينبئ بإعادة نظام مبارك مع الوقت، وخطوة خطوة، ليس من خلال أشخاص، ولكن بوجوه جديدة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة