فى مصر والعالم، كل القوى والأحزاب السياسية والزعماء السياسيين -الجميع بلا استثناء- يستخدمون لغة مراوغة ومعايير مزدوجة، ويعيدون توظيف خطابهم ومفرداتهم بحسب مصالحهم، وبما لا يغضب الرأى العام، وقد يصل الأمر إلى حد الكذب والنفاق. وتحفل الساحة السياسية بكل هذه الحيل الخطابية، لكن ما يزعجنى أن تتورط فى هذه الممارسات الانتهازية قوى سياسية وأحزاب تتدعى أن مرجعيتها إسلامية!
من غير المقبول أن تدعى هذه القوى الإسلاموية، وفى مقدمتها الإخوان، تقديم نموذج إسلامى فى السياسة والحكم، ومع ذلك تمارس الكذب، وتنفى مثلا الاجتماع مع شفيق ثم تعترف!، أو تنفى الرئاسة إرسال خطابات لإسرائيل ثم تعترف!. وسبق أن أكدت القوى الإسلاموية أن قرض صندوق النقد حرام شرعا لأنه ربا، ثم تغير بعد ذلك موقفها.. والأمثلة كثيرة، ولعل أشهرها نفى الإخوان ترشيح رئيس منهم!
أظن أن الإخوان هم أكثر فصيل يمارس الخطاب المراوغ. وإذا اعتبرنا أن الخطاب هو القول والفعل، فإن الإخوان يتورطون فى تناقضات غريبة وساذجة بين الكلام والأفعال، ومع ذلك يلجأون لتبريرات ضعيفة وساذجة لا تنطلى على عاقل، ويبدو أن سنوات الاضطهاد والمطاردات البوليسية التى عانى منها الإخوان قد أجبرتهم على العيش المزدوج بين القول والفعل، وقد وجدوا فى التقية آلية إسلامية مناسبة لتبرير هذه الازدواجية التى فتحت أبوابا كثيرة للانتهازية السياسية، لكنهم الآن فى السلطة، ومنهم الرئيس وأغلبية الشورى، فلماذا لا يتغيرون، ويتخلصون من أمراض الازدواجية والخوف، ويقللون من تناقضات القول والفعل، ويستعملون لغة واضحة لا تحمل معانى كثيرة متعارضة؟
ما أطالب به الإخوان مهمة صعبة، لأنهم أدمنوا اللغة الغامضة المراوغة التى تحمل أكثر من معنى، ويمكن تأويلها وتوظيفها حسب المصلحة، وسأضرب هنا مثلا بمشروع النهضة الذى طرحه الرئيس مرسى عنوانا لبرنامجه الانتخابى، ثم تبين أنه لا وجود لمشروع واضح ومحدد ونهائى للنهضة، بحسب تصريح خيرت الشاطر!
مثال آخر يتعلق بحل مشكلة البطالة فى البرنامج الانتخابى للرئيس مرسى، حيث يذكر فى «ص12» إنشاء صندوق قومى لمنح إعانة بطالة للمتعطلين، وذلك من خلال تقديم مشروع قانون ينظم هذا الأمر، وضرورة وجود قاعدة بيانات حقيقية عن أوضاع البطالة، وسنلاحظ أنه لم يحدد قيمة الإعانة، ثم أنه رهن تقديم الإعانة بإصدار مشروع قانون، ووجود قاعدة بيانات، ما يعنى الحاجة لفترة زمنية قد تطول أو تقصر لتنفيذ إعانة البطالة التى جاءت ضمن إجراءات مطلوبة فى المدى القصير! ومع ذلك لم يعلن حتى اليوم تفاصيل هذا المشروع!
وفى «ص11» يتحدث برنامج الرئيس عن مكافحة ظاهرة الفقر بدون تقديم أى إجراءات محددة، فسوف يعدل قانون الضرائب لتحقيق العدالة الاجتماعية، وسوف يحدد الحد الأدنى والأعلى للأجور، وسوف يفعل الزكاة والوقف والصدقات بما يتيح فرص عمل للفقراء.. كل هذه الأمور تصلح عناوين لمقال أو كتاب لكن ماذا عن النسب والتفاصيل وآليات التنفيذ؟
لا يجيب برنامج المرشح مرسى، كما لم يجب الرئيس مرسى بعد أكثر من 100 يوم على انتخابه، حيث تسود اللغة الغامضة والخطاب المراوغ الذى يعتمد على الوعود الجميلة والعبارات الحماسية عن الإسلام والشريعة، والتنمية والتقدم، والعدالة الاجتماعية، بينما الأسعار تواصل ارتفاعها، والشرطة غائبة، وأزمتا المرور والنظافة فى تصاعد، والأخطر أزمة الجمعية التأسيسية التى تجسد انقسام المجتمع وتهدد وحدته، وتفتح الطريق لاستمرار مرحلة انتقالية ثالثة نعيش فيها بلا خريطة طريق، وبلا دستور، وبدون مجلس شعب، وبخطر تحول الرئيس إلى ديكتاتور جديد، لأنه يمتلك السلطتين التشريعية والتنفيذية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة