سنوات طويلة قضيناها فى الاستماع لجدل الدعم، وكانت الصيغة المستمرة لدى نظام الحزب الوطنى أن الدعم لا يصل لمستحقيه، لكن بالرغم من الاعتراف بهذه الحقيقة ظلت حالة الدعم على ما هى عليه، لم يصل أبدا لمستحقيه، بل إلى سارقيه وناهبيه، ولا شىء تغير، وعدنا إلى نفس النقاش الذى يتواصل، ونسمع عن قرارات بتحرير سعر الوقود، أو الخبز، مع إعادة نظام الكوبونات للبوتاجاز والبنزين والسولار. وفى الوقت نفسه، فإن محدودى الدخل لا يمكنهم تحمل أى ارتفاعات فى أسعار الوقود طالما رواتبهم ثابتة، ونفس الأمر بالنسبة للأغلبية التى تستخدم الميكروباص والمواصلات العامة، ولا يوجد مواصلات عامة إنسانية يمكنها تحقيق توازن فى النقل.
نعلم أن قضية الدعم مستمرة من النظام السابق، لكن على النظام الجديد أن يبحث لها عن حل، من خلال الخبراء، وأن يتم عقد حوار واسع بين الخبراء، خاصة أن هناك مدارس مختلفة، فالاقتصاد الحر، يختلف عن الاقتصاد الموجه.
نقول هذا بمناسبة جدل قائم فى مجلس الشورى الآن يتعامل مع قضية الدعم على الطريقة السابقة، مجرد شرح المشكلة والتأكيد على أن الدعم لا يصل لمستحقيه، وقد شهدنا مؤخرا جدلا فى مجلس الشورى قال فيه الدكتور محمد الفقى رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية إنه: «لا نية لرفع الدعم عن الفقراء وسنسعى جاهدين لمنع وصوله لغير المستحقين».
وتساءل: «ماذا يعنى أن تكون فاتورة دعم البترول الشهرية تقدر بـ10 مليارات، أربعة مليارات منها لا تصل للفقراء؟». وذكر المتناقشون أن الدعم يلتهم ثلث الموازنة، وأن كل الحكومات السابقة فشلت فى مواجهة هذه المشكلة، ونفس الأمر قاله زعيم أغلبية الشورى، مؤكدا أن الدعم يصل للأغنياء وليس الفقراء.
كل هذا توصيف للأزمة بشكل مكرر يحتاج للإسراع فى تغيير الآليات لأخرى جديدة، ووضع قواعد أخرى يمكنها إنهاء هذا الجدل، خاصة أن دول العالم المختلفة انتهت من هذه القضايا، ويمكننا الاستفادة من تجاربها، وألا يتم التعامل مع قضية معقدة باستسهال، وعلى طريقة مستشارى الرئيس، ولا مانع من عقد مؤتمر يشارك فيه خبراء الاقتصاد، ليضعوا حلولا نهائية، بدلا من عمليات الترقيع التى كانت تتم، أو مازالت.
قضية الدعم تتعلق بأغلبية المصريين، وبالتالى فهى لا تقل أهمية عن الدستور، لأنها تتعلق بالحاضر والماضى، وتكافؤ الفرص وحقوق الأغلبية، وبدلا من قضاء الوقت فى مجادلات نظرية عقيمة، يمكن البدء فى حوار واسع علنى، ينتهى إلى قرارات، وليس فقط نقل عطاءات الدعم من أشخاص فاسدين لآخرين قابلين للفساد، لأن المال السائب يعلم السرقة، والدعم من الأموال السائبة التى تحتاج من يحميها، بالقانون الذى يمنع سرقتها أو تسربها، دون أن يتحمل الفقراء ومحدودو الدخل نتائج هذه السياسات.