لايتوقف الحديث عن هيبة الدولة من شهور وربما سنوات. وكل يوم يعود الحديث أكثر مع كل حادث وكل انفلات، البعض يعتبر الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات تكسر الهيبة، وآخرون يرون أن قطع الطرقات والجريمة المنظمة والعدوان على الأراضى واستمرار المخالفات العلنية فى البناء والإشغالات. ولا ننسى التوك توك، والميكروباص، والباعة الجائلين الذين يحتلون الشوارع والميادين، وأطفال الشوارع، والمتسولين. كل هؤلاء يمثلون مظهرا للفوضى، لكنهم ليسوا السبب بل هم يعانون من نتائج وتراكمات عديدة لسنوات. هناك مؤشرات يومية من ممارسات ومخالفات تكشف عن غياب الإحساس بالقانون. وينضم مخالفون جدد يرون أن القانون غائب.
قد يكون صحيحا أن الهيبة تتحقق من تطبيق القانون بشكل حاسم وبمساواة، ومن دون تفرقة بين غنى وفقير، أو مسؤول ومواطن. ويضربون مثلا بالدول الحديثة والمتقدمة. التى يتم فيها تطبيق القانون بشكل كامل وبلا استثناءات.
الحقيقة أن هيبة الدولة لا تقوم فقط بأجهزة الأمن أو وزارات الداخلية، وإنما تبدأ من قدرة الدولة على تأدية واجباتها تجاه مواطنيها، فى طرق منظمة ومواصلات عامة آدمية، ومدارس ومستشفيات لا يختلف فيها الخاص عن العام، وأن يكون الفقر والعشوائيات مخجلة أكثر من المخالفات.
إن عشرة ملايين مواطن يعيشون تحت خطوط الفقر، بلا ضمانات اجتماعية أو سياسية، أغلبهم عاطلون ومرضى ومحبطون لا يجدون من يتحدث باسمهم أو يهتز لأحوالهم. يمثلون إهانة لهيبة أى دولة، أكثر مما يمثله احتجاج أو انفلات. وجزء من الفوضى الجارية فى الباعة الجائلين واحتلال الميادين، والبلطجة، يرجع إلى البطالة والتردى الاجتماعى والفقر وفقدان الأمل. ومن الصعب أن تنجح حملات الشرطة والبلدية فى مواجهة الباعة الجائلين، ما لم تكن هناك خطط لإعادة تأهيل وتوظيف ملايين الشباب العاطل، الذى لا يجد أمامه فرصة، غير العمل فى الشارع، أو الخضوع لاستغلال الشركات كمندوب مبيعات مهان.
قد يكون قطع الطرقات من أسباب إهانة هيبة الدولة، لكن العشوائيات مهينة أكثر، وحال المستشفيات العامة يفترض أن يصيب بالخجل والخوف والإهانة. وطالما المواطن مهان فى المستشفى والمدرسة والشارع من الصعب أن نطالب بهيبة للدولة، التى يسقطها العجز عن تطبيق القانون مثلما يسقطها الفقر والجهل والفوضى والعشوائيات.
لقد كان نظام مبارك يتحدث عن شعب آخر غير الشعب الذى فى العشوائيات والمقابر، وشعب العمال والفلاحين والموظفين والأطباء والعاطلين.
عشرة ملايين فى العشوائيات ومليونان فى المقابر وخمسة ملايين عاطل يجب أن يمثلوا إهانة للدولة، أكثر من باقى التفاصيل، التى يمكن أن تنتهى إذا انتهى ذلك.
هيبة الدولة تقوم بالقانون وقبل ذلك بترسيخ تكافؤ الفرص، وتوفير العمل الإنسانى والدخل المناسب، والمسكن الآدمى والعلاج الذى لا يضطر فيه المواطن لتسول حقه. وربما على من يكتبون الدستور الآن، أن يتجاوزوا الجدل العقيم، ليدخلوا فى ترسيخ قواعد تضمن حق المواطن فى كل هذه المطالب. وساعتها فقط سوف تتحقق هيبة المواطن، التى هى أساس هيبة الدولة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة