من الخطأ التقليل من شأن ظاهرة التحرش الجنسى فى الشارع المصرى، وليس من المطلوب أيضا التضخيم منها، فالظاهرة الغريبة عن المجتمع تفشت وانتشرت فى الفترة الأخيرة، خاصة فى المواسم والمناسبات والأعياد، والأسباب كثيرة، منها حالة الانفلات الأمنى والاجتماعى وعدم استعادة الأمن هيبته وقوته فى الشارع بالشكل المطلوب، وعدم تفعيل القوانين والتشريعات الرادعة لمرتكبى هذه الظاهرة، فهناك مواد فى قانون العقوبات تجرم التحرش لكنها غير مفعّلة، ويتم التلاعب بها أحيانا.
المشاهد المؤسفة فى عدد من شوارع وسط القاهرة ومتنزهات وحدائق بعض المحافظات تستدعى الحسم والردع الأمنى والقانونى فى مواجهة هذه الظاهرة قبل البحث فى معالجتها الأوسع اجتماعيا واقتصاديا، لأن الحلول الجذرية للظاهرة التى تعكس مدى الانحلال الخلقى وانهيار القيم المجتمعية فى مصر لدى شريحة عمرية معينة هى شريحة ما دون العشرين وفى مستويات تعليمية متوسطة تحتاج إلى دراسة أكثر عمقا لأنها تتعلق بأزمة مجتمع بأكمله وبمنظومة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية شهدت ترديا شاملا خلال السنوات الماضية أدت إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة والعشوائيات بعد تخلى الدولة عن دورها ومسؤولياتها عن التعليم والصحة والسكن وتوفير فرص العمل.
فى الوقت ذاته ليس من المطلوب تضخيم الظاهرة وتناولها إعلاميا بصورة تعطى انطباعات ورسائل خاطئة بأن الشعب المصرى أصبح شعبا همجيا وغير متحضر ويفترس الفتيات والنساء فى الشوارع وإظهاره كشعب جائع جنسيا إلى الحد الذى قد يتصور معه من يعيش بالخارج أنه أمام جحافل متعطشة للجنس من صغار السن تجوب شوارع مصر بحثا عن الفرائس الضالة من النساء والفتيات، وهذا غير صحيح وغير واقعى، فالقضية ليست بهذه الضخامة، ومقارنة مع دول أوروبية وأمريكية تعتبر ظاهرة التحرش فى مصر فى معدلاتها الأقل، وإن كان ذلك لا يعنى عدم مواجهتها والتعامل معها بحسم وبقوة القوانين المعطلة.
المسؤولية هنا هى مسؤولية دولة فى الأساس ونظام حكم مشغول الآن بتمكين أركانه وغير منشغل بقضايا اجتماعية قد تنفجر فى أى وقت بدعم من واقع اقتصادى مترد ومنهار، وتشجيع من أفكار لجماعات مهووسة بالجنس والمرأة لا ترى فيها سوى أنها جسد يسكنه الشيطان ويجب حجبه وتزويجه فى سن الـ9 سنوات، وليست نصف المجتمع الذى يشارك فى الإنتاج والتنمية.