الإسراف فى الوعود يُفسد الحقائق، وعندما يعد الدكتور عصام العريان المصريين بأنهار العسل «إذا انتخبوا الجماعة فى البرلمان»، فهو وعد لا يحققه إلا من يملك خاتم سليمان، الذى يخترق البحار ويشق الأنهار ويسخّر الجن والشياطين.. ثم ماذا يفعل الناس بالعسل إذا كانوا يعانون فى الحصول على رغيف الخبز الذى يأكلون به الفول والطعمية؟ رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل كان أكثر واقعية عندما قال «معندناش فلوس» رداً على أصحاب المطالب الخاصة، وخبراء الاقتصاد وصفوا تصريحات الحكومة بتحقيق نسبة نمو %7 بأنها أحلام وردية و«ضحك على الدقون» فى ظل الأجواء السيئة التى تعيشها البلاد، بما يعنى أن الأحوال الاقتصادية بالغة السوء، وتتطلب الشفافية وليس التعتيم، والوضوح وليس الغموض وأن يعرف المريض حقيقة مرضه، أما إذا كان الدكتور العريان مصرا على وعده، فليرسم لحكومته خارطة الطريق إلى نهر العسل.
هذه الوعود مثل «الوصفة البلدى»، التى لا تمنع الألم ولا تشفى المرض، وجربتها الحكومات السابقة التى وعدت الناس بالرفاهية والبلهنية والعز والرخاء، فجاءت بالفقر والتضخم وارتفاع الأسعار والغلاء، ولو تحقق عدد قليل من وعود الذين حكموا مصر فى العصر الحديث، لأصبحنا أغنى من أمريكا وأعظم من اليابان وأفضل من الصين، ولشرب كل طفل كوب لبن فى الصباح، وأيضا شقة لكل عروسين ووظيفة لكل شاب وشابة ومياها نظيفة فى الحنفية وعيشة كريمة وآدمية، ولكنها على رأى سيدة الغناء العربى أم كلثوم «وعودك فى الخيال مليا عنيا».
مل المصريون منذ نعومة أظافرهم من إسطوانتين «الرخاء الموعود» و«عنق الزجاجة»، فإذا أرادت الحكومة أن تبسط شعبها، تباهت بانتشار المحمول والمكيفات والسيارات والتليفزيونات الملونة وشرب المياه الغازية، وإذا أرادت أن تعكنن عليه عايرته بزيادة النسل وأخافته من المؤامرات الداخلية والخارجية، وطلبت منه الصبر لعبور «عنق الزجاجة»، حتى أصبحت حياة الناس محشورة فى عنق بلا زجاجة.
فى الأيام القادمة سوف تعانى البلاد من كثرة فيضانات أنهار العسل بمناسبة انتخابات البرلمان.. وعود لا تطلع عليها شمس إلا وتذوب تحت وطأة المشاكل المزمنة، ولا تنفع معها أحلام خيالية ولا وعود مستحيلة، وإنما المصارحة والمكاشفة والشفافية وإعادة انتشال اقتصاد الدولة من تحت الأنقاض.. وبما أن الإخوان قد انتقلوا من صفوف المعارضة إلى مقاعد السلطة، فبقاؤهم مرهون بالابتعاد عن فيروس الوعود الكاذبة الذى أفنى أنظمة وحكومات سابقة.
قد تكون «أنهار العسل» زلة لسان أو تعبير مجازى، ولكن هل كان استخدام العريان لعبارة «الجماعة تعدكم بأنهار العسل» زلة لسان أيضا؟.. فهل الذى يحكم هو«الجماعة» أم «الحزب»، ومن الذى يخوض الانتخابات ويشكل الحكومة ويرأس البلاد ويسهر على شؤونها ويرعى مصالحها، «الجماعة» أم «الحزب»، «المرشد» أم «الرئيس»؟.. ومتى يتم فض الاشتباك بين الجماعة التى تقوم بالدعوة والحزب الذى يعمل بالسياسة؟