عندما يقول وزير الداخلية أحمد جمال الدين، إن كلية الشرطة تطبق المعايير الموضوعية فى اختيار الطلبة علينا أن نصدقه، لكننا من الصعب أن نطمئن إلى انتهاء عصر الواسطة والمحسوبية وشراء المناصب، وهى أمور ليس الوزير هو المسؤول عنها بالطبع، لكنها نتاج تراكمات وسنوات وعقود كثيرة، ثم إن الواسطة والمحسوبية ليست فى كلية الشرطة وحدها، لكنها فى كل المواقع والمناصب العليا فى القضاء والخارجية والبنوك والجامعة والإعلام، وغيرها من المناصب التى تنتقل بالوراثة مثل العقارات والأموال، ونكذب على أنفسنا إذا قلنا إن حالة التوريث والمحسوبية فى الوظائف، سوف تنتهى ببعض التصريحات اللطيفة المطمئنة، لأنها بصراحة لا تتعلق فقط بالوزير، لكنها تتعلق بتفاصيل شبكات مصالح تكونت طوال عقود، ويجرى استبدال واجهاتها، وحتى الآن ماتزال التأشيرات والتليفونات والأموال تدفع لتسهيل المرور، ببساطة لأن النظام الذى تم بناؤه طوال عقود، يلغى تكافؤ الفرص، ويستبعد كل من ليس له ظهر، ونظرة واحدة على تشكيلات القضاء والشرطة والدبلوماسية، تكشف لنا عن التركيبة العائلية لهذه الهيئات.
قد يرد بعضهم مدافعا ليقول، إن الأبناء حصلوا على المناصب بجهودهم، وأنهم أصلا متفوقون، وهو نفس مكان يطرحه جمال مبارك وفريق التوريث، الذين قالوا إن من حقه كمواطن أن يترشح، ومع الاعتراف بوجود أبناء متفوقين، إلا أنه لايمكن أن تكون بهذه النسبة الطاغية، ثم إن أيا من الآباء لايعترض ولا يجد خطأ فى توريث ابنه، فضلا عن أن الأمر يتم من المنبع فى الجامعات، حيث يتم التلاعب فى النتائج، كما كان مبينا فى الكثير من الحالات، يضاف إلى ذلك أن كثيرين من الأساتذة الذين حصلوا على فرصتهم بتكافؤ من أبناء الفقراء بالمجانية، هم من حرم مواطنين منها، وبالتالى فقد ألغوا القواعد التى مكنتهم من الصعود، ليضعوا أبناءهم وأقاربهم، وربما لهذا كانت هناك شريحة واسعة، لاتمانع فى توريث الحكم من مبارك لجمال، لأن التوريث لم يكن سياسيا، لكنه بدأ فى كل الهيئات وتحول إلى قاعدة لاتستدعى الغضب أو الاستهجان.
وإذا كنا نتحدث عن تكافؤ فرص، علينا تغيير النظام الحالى الملىء بالثغرات، وأن يكون تولى المناصب والوظائف من خلال هيئات علنية قضائية، تحدد لكل من يرفض أسباب الرفض، ومسوغات القبول للمقبولين، وأن يكون هناك مجال للطعن، ولعل من يتجادلون حول الدستور الآن، يسعون لضمان تكافؤ الفرص بشكل واضح، يتيح للمواطنين الحصول على الوظائف بجهودهم، بعيدا عن الواسطة والمحسوبية.
وقبل أن نتحدث عن إلغاء الواسطة والمحسوبية، علينا الاعتراف بأن النظام القائم، هو نظام يخلو من العدالة، ويلغى تكافؤ الفرص بين المواطنين، وأن هذا النظام يحتاج إلى تغيير جذرى، ليقوم على المساواة، وغير ذلك سيكون الأمر كله مجرد كلام فى الظاهر بلا قواعد، وسوف تكون عمليات البحث عن واسطة مستمرة.