التحول من الإسلام المواجه إلى الإسلام المشارك بمجىء الإسلاميين إلى السلطة يعنى أن يتحرر الإسلاميون جميعا من عقدة المحنة والاضطهاد الذى تعرضوا له فى عصور الدول والحكومات المختلفة، لأن الذى يتلبسه الاضطهاد لا يمكنه أن يبنى دولة ولا أن يكون قادرا على مواجهة المشكلات، كان استدعاء المحن والاضطهاد فى فترة ما قبل مجىء الإسلاميين إلى السلطة يوحد الصفوف ويكتل المشاعر والأفكار، أما فى فترة ما بعد المجىء إلى السلطة فإن مشاعر التكتل العاطفى والتوحد خلف الجماعة والتنظيم لن تبنى الدولة المصرية الجديدة، وإنما يبنيها الجهد العاقل والمثابر والتحرر من شعور التوحد مع التنظيم إلى التوحد مع القيم التى تؤسس الدولة وعلى رأسها العدل والأمانة والإيثار ونبذ الأنانية والمصالح الشخصية وتغليب مصالح الناس على مصلحة الجماعة وأفرادها، والصدق والانتصار للحق وليس للنفس وعدم الاغترار بمتاع الحياة الدنيا والزهد، والقيام بواجب المنصب وعدم الخضوع لإغرائه.
وفى قصة بنى إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام «أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا، قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون»، وهنا أحد أكبر وجوه امتحان السلطة أن تصل إلى السلطة وتصبح مسؤولا عن الناس فكيف ستسير فيهم؟. وهنا الاستخلاف ليس بمعنى عودة الخلافة كما قد ينادى البعض الآن، وإنما معناه قيامكم على أمر الناس وتدبيره بما يحقق لهم التحرر من الفقر والبطالة والعوز وبما يحقق للشباب المشاركة وبما يحقق للفقراء نصيبا عادلا من الثروة فحديث النبى صلى الله عليه وسلم واضح «ألا لا يبيتن رجل شبعان وجاره جائع»، وبما يحقق معاقبة الظالمين والمفسدين والأخذ على أيديهم حتى يكونوا سلفا ومثلا للآخرين. وبقدر ما نقول إن هناك حقا فى التعددية بين التجمعات الإسلامية والتيارات والأحزاب، فإنه لابد من وجود صيغ مشتركة تحول دون أن تتحول هذه التعددية إلى عنصر امتناع على الدولة - كما هو الحال فى الجماعات الجهادية فى سيناء، أو تتحول هذه التعددية إلى عنصر تمزق وافتراق ومواجهة الإسلاميين لبعضهم، كما يحدث بدرجة «ما» فى العلاقة بين الإخوان وبين التيار السلفى، فأزمة حزب النور الأخيرة كشفت عن توتر فى علاقة الفريقين بدرجة أكبر مما كان متصورا أو مظنونا.
كما أن الصراع داخل حزب النور يكشف بوضوح عن خطر الانتقال إلى العمل السياسى والدولتى بمنطق العقيدة السلفية التى تميز نفسها عن غيرها من التيارات الإسلامية المختلفة فتجدهم يواجهون الأشاعرة والأزهر، وتجدهم يواجهون الإخوان وينتقدون كتاب «العقائد» للشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان وكيف أنه سلك مسلكا أشعريا فى تأويل الصفات، وهكذا التركيز على الجانب المميز وإخراج كل من خالفه عن الطريق السواء، بينما الدولة هى أداة لتجميع من يعيشون فى ظلها تحت هدف مشترك حتى لو كان أولئك من عقائد مختلفة مذهبية أو حتى دينية أو سياسية، فوظيفة الحزب السياسى تكتيل الجهود وتعبئتها وحشدها، وحين تنتقل إليه بمنطق العقيدة فإنك ستمزقه لأنك لن تتحمل خلاف الآخرين معك فى الرأى وستستدعى منهج الإقصاء العقدى فى مواجهتك لهم. ولذلك حين هاجر النبى «صلى الله عليه وسلم» إلى المدينة فإنه أسس لدولة استوعبت كل قاطنيها بصرف النظر عن أديانهم وعقائدهم، فقد كان هناك اليهود، والوثنيون الذين لم يسلموا بعد وهناك المهاجرون والأنصار ولكن وثيقة المدينة ودستورها أسس لتعايش بين الجميع، رجال الدولة يختلفون عن رجال الجماعات والتنظيم، ونحن بحاجة فى هذه اللحظة إلى رجال دولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة