بوصلة المواطن المصرى «خربانة» بين أربعة اتجاهات، فالموكب الرئاسى يدور حول العالم لتنهال عليه المليارات، والحكومة أشبه بست البيت التى ذلتها المصروفات وخذلتها الإيرادات وتولول كل يوم خوفا من الإفلاس، الحزب الحاكم يؤكد النهضة وزيادة الاستثمارات إلى 200 مليار دولار فى خمس سنوات، والشارع أشبه بالأحراش المفترسة ونحن الضحايا، فما بين انفلات أمنى ونصب علنى وأسعار «خزعبلية» نعيش فى الجبلاية لنأكل ما نستطيع ونكتسى بالباقى وهنيالك يا فاعل الخير والثواب.
كنت أظن أن بركة الإخوان سوف تنزل على الاقتصاد الوطنى، فتحول التراب إلى ذهب والصخور إلى ألماس، ولكن «ذهب الليل طلع الفجر والعصفور صوصو».. وكلنا نصوصو الآن، إما من الجوع أو الغلاء أو الخوف واليأس.. المصيبة أن لا شىء تغير إلا الوجوه وبعض اللحى، فما أشبه اليوم بالبارحة.. فمازال الرئيس هو رمز الأمل والتفاؤل والأب الذى يكدح ليجمع لأبنائه الغذاء والكساء، ومازالت الحكومة مثل زوجة الأب «النكدية» التى لا تسأل إلا عن الضرائب والتقشف ومنع المصروفات ورفع الدعم، والحزب هو الأب المدلل الذى يغنى على الشعب مواويله، فلا مانع من أن نصدق مضاعفة الاستثمار بمعدل %100 كل سنة ولخمس سنوات متصلة طالما المحروس يعدنا بذلك.. كل هذا ونحن نعيش مع السلعوة فى الشوارع.. فالمشاكل هى نفس المشاكل القديمة وإن انتفخت والحلول المطروحة هى نفس حلول البائد وإن عجزت.. فأين الحلول الابتكارية والقرارات الإبداعية والآليات المتطورة التى وعدنا بها الإخوان أين النبوغ أو حتى الاختلاف فى ما يقال الآن عما قيل من أعوام.. نفس الهرولة نحو القروض الخارجية بلا أدنى التفات لتحسين الموارد أو حتى خفض مصروفات المسؤولين ونفس المغالاة فى جمع الضرائب واختراعها وكأنهم الأسياد ونحن العبيد.. لن نتكلم عن حلم المائة يوم لأنه ذهب مع الريح، ولكن يبدو أن أحلام مشروع النهضة تحولت إلى كوابيس فهل سننتظر عدة أعوامًا لنحصل على اعتذار آخر.. وإذا كنا اقتنعنا مرغمين بأن المائة يوم لا تكفى للإصلاح الموعود فعلينا أن نصرح بأن المؤشرات جميعها تدل على الانبطاح المعهود.. فرفع الدعم والمزايدة فى أسعار الخدمات الحكومية والاختراع فى الضرائب والإتاوات واختفاء الرقابة من الأسواق.. هى مربع الرعب الذى عشنا فيه جميعا لسنوات طويلة، ومن الحماقة أن ننتظر نتائج مختلفة ونحن نقوم بنفس التجربة فهذا فى حكم العلم تضيع وقت وفى حكم السياسة تضيع دولة.. ولو ظن الإخوان أن تواجدهم فى الشارع ونفوذهم الدينى بين الناس سوف يغفر لهم نفس أخطاء النظام البائد فهم غافلون.. فحجم الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات الفئوية، تؤكد أنهم ابتعدوا كثيرا عن الشارع المصرى رغم حصولهم على كل أشكال الحكم.. وإذا كانت عقولهم الرشيدة عاجزة عن الوصول إلى آليات جديدة وأفكار مختلفة فى إدارة موارد البلاد واقتصادها فعليهم أن يفتحوا عقولهم ومتاريسهم للقادرين على ذلك، ولكنهم ارتاحوا مع رجال النظام البائد وأفكارهم السقيمة التى لم تؤد سابقا إلا لخراب البلاد.. فإلى أين نذهب الآن؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة